أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

غياب الثقة:

لماذا ترفض إيران التفاوض مجدداً حول الاتفاق النووي؟

13 ديسمبر، 2020


ما زالت إيران حريصة على توجيه رسائل إلى القوى الدولية والإقليمية المعنية بأزمات منطقة الشرق الأوسط تفيد أنها لن تتجاوب مع خيار إجراء مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس جو بايدن، من أجل استشراف المسارات المحتملة للمقاربة التي يتبناها إزاء الاتفاق النووي. وقد انعكس ذلك في التصريحات التي أدلى بها الرئيس الإيراني حسن روحاني، في 9 ديسمبر الجاري، وقال فيها أن "العودة إلى الاتفاق لا تحتاج إلى مفاوضات في الأساس، بل إلى توقيع"، مضيفاً: "كى نعود إلى الماضي ليست هناك حاجة إلى وقت، بل إلى إرادة".

ويعني ذلك في المقام الأول، أن إيران تنتظر أن تتخذ الخطوة الأولى من جانب الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إعادة العمل بالبنود التي يتضمنها الاتفاق، وأنها لن تتراجع عن سياستها الحالية القائمة على تخفيض التزاماتها في هذا الاتفاق طالما أنه لم يحدث تغيير في هذا الصدد. بل إنها ربما تواصل تلك الإجراءات، لاسيما بعد القرار الذي أصدره مجلس الشورى الإسلامي، وصدَّق عليه مجلس صيانة الدستور، ويلزم الحكومة برفع مستوى التخصيب إلى 20% وإنتاج 120 كيلو جرام من اليورانيوم المخصب بتلك النسبة وتخزينها في غضون شهرين من القرار، مع إنهاء عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال شهر في حالة عدم رفع العقوبات الأمريكية.

أسباب عديدة:

يمكن تفسير هذه الرسائل التصعيدية الإيرانية في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- دعم الصفقة: ترى إيران أن خيار إعادة التفاوض في حد ذاته سوف يلقي الضوء على "الثغرات" العديدة التي يتضمنها الاتفاق الحالي، والتي اتضحت خلال مرحلة التصعيد المتبادل بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، وبالتالي فإنه سوف يوجه رسالة مباشرة بأن الاتفاق الحالي يعاني من إشكاليات لا تبدو هينة، ويضفي وجاهة خاصة على الرؤية التي تبنتها الإدارة الأمريكية الحالية إزاءه وتقوم على ضرورة إنهاء العمل به والتفاوض حول اتفاق جديد.

ومن دون شك، فإن إصرار إيران على دعم هذا الاتفاق يعود في المقام الأول إلى أنها لا تضمن الوصول إلى اتفاق آخر يتضمن مستوى أعلى من المكاسب والمزايا الاستراتيجية ومستوى أقل من التنازلات.

2- تجنب خيار التوسيع: تتابع إيران بدقة الدعوات الأمريكية، والأوروبية، الخاصة بتوسيع نطاق التفاوض مع إيران ليشمل الملفات الأخرى الخلافية، وفي مقدمتها برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي. وفي رؤيتها، فإنه من الصعوبة التفاوض حول هذه الملفات أو ضمها للاتفاق الحالي، ومن هنا، فإنها تتجنب هذا الخيار عبر رفض التفاوض حول الاتفاق في حد ذاته.

ويمكن القول إن ما يزيد من تمسك إيران بعدم ضم تلك الملفات إلى الاتفاق أو إلى أية مفاوضات مع القوى الدولية، سواء كانت سابقة أو في المستقبل، هو التصعيد الذي وصل إلى مرحلة حرجة مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اعتبرت أن برنامج الصواريخ الباليستية، فضلاً عن النفوذ الذي تمتلكه لدى المليشيات الطائفية الموالية لها في دول الأزمات، هى الآليات الأساسية التي سعت إلى استخدامها للرد على الإجراءات التصعيدية التي اتخذتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، ولاسيما عندما قامت بشن عملية عسكرية أسفرت عن مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني في 3 يناير الماضي.

3- رفض خامنئي: رغم أن حكومة الرئيس حسن روحاني لم تكن تستطيع تمرير الاتفاق النووي الذي توصلت إليه مع مجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015، في الداخل دون موافقة المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، إلا أن الأخير حرص منذ اللحظة الأولى على الاحتفاظ بمسافة محددة منه، بالتوازي مع ترويج القوى السياسية والأجهزة الإعلامية الموالية له لشكوكه الواضحة والمستمرة في جدواه. وكانت نتيجة ذلك أنه قام، إلى جانب تلك الجهات، بتحميل الحكومة المسئولية عن إخفاق التعويل عليه، بعد تراجع العوائد التي حصلت عليها إيران بسبب الانسحاب الأمريكي منه وإعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران. ومن هنا، تبدو موافقة خامنئي على إجراء مفاوضات جديدة مع واشنطن حول العودة للاتفاق احتمالاً غير مرجح، لاسيما أنه اعتبر أن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية تمثل مؤشراً على رجاحة موقفه، بعد أن وجهت رسائل مباشرة، في رؤيته، تفيد وجود رفض واسع للسياسة التي تبنتها إدارة ترامب. 

4- اقتراب الانتخابات: لا يبدو أن الرئيس حسن روحاني يمتلك خيارات متعددة في حالة ما إذا كانت لديه رغبة في التجاوب مع الدعوات الأمريكية، والأوروبية، لإجراء مفاوضات جديدة، سواء حول آليات العودة للاتفاق النووي أو حول توسيع نطاقه ليشمل ملفات أخرى. ويعود ذلك في المقام الأول إلى اقتراب موعد نهاية فترته الرئاسية الثانية في منتصف عام 2021، حيث ستجري الانتخابات الرئاسية في 18 يونيو من هذا العام، ويتطلع تيار المحافظين الأصوليين، بدعم من الحرس الثوري، إلى تعزيز فرص أحد مرشحيه للفوز بها. 

ويعني ذلك، أن دور الرئيس وحكومته تراجع بشكل كبير داخل إيران، وسيتعرض لمزيد من التراجع خلال الشهور الستة القادمة، بما لا يمنحه الدافع للدعوة إلى عدم رفض خيار إجراء مفاوضات جديدة مع القوى الدولية، خاصة أنه واجه في الفترة الماضية ضغوطاً سياسية غير مسبوقة، بدت جلية في "تغريدة" رئيس لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في مجلس الشورى الإسلامي مجتبي ذي النور، في 16 أكتوبر الماضي على موقع "تويتر"، والتي طالب فيها بـ"إعدام الرئيس حسن روحاني"، بسبب دعوته "الضمنية"، في رؤيته، للتفاوض مع واشنطن مجدداً.

في النهاية، يمكن القول إن هذه السياسة الإيرانية، القائمة على مواصلة التصعيد مع الدول الغربية المعنية بالاتفاق النووي، سوف تفرض في النهاية ضغوطاً أقوى على إيران نفسها، ليس فقط في ظل اتجاه الدول الأوروبية إلى دعم دعوة الرئيس بايدن لتوسيع نطاق المفاوضات ليشمل برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي، ولكن أيضاً لبداية تحرك القوى الدولية الأخرى، لاسيما روسيا، نحو توجيه رسائل تفيد أنها لن تدعم تلك السياسة باستمرار، على نحو بدا جلياً في رفض موسكو لقرار البرلمان الإيراني برفع مستوى التخصيب، ودعوتها طهران إلى التوقف عن "المزايدة" في الاتفاق.