أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

استقطاب داخلي:

أسباب تجدد الجدل حول الاتفاق النووي في إيران

19 يوليو، 2020


‎لم تشهد أى قضية داخل إيران مثل هذا الاستقطاب السياسي الذي يتصاعد حول الاتفاق النووي، بعد مرور خمسة أعوام على الوصول إليه بين إيران ومجموعة "5+1". ويعود ذلك إلى اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في ارتباط الاتفاق بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي طغى عليها النمط الصراعي رغم التعاون والتنسيق الذي برز بين الطرفين في بعض المراحل.

‎ويتوازى ذلك مع اتساع مساحة الاستقطاب السياسي في الداخل حول الاتفاق بسبب اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي سوف تجرى في منتصف العام القادم ويسعى تيار المحافظين الأصوليين إلى دعم فرص أحد مرشحيه في الوصول إلى منصب الرئيس، في حين يحاول تيار المعتدلين تعزيز احتمالات استمراره في السلطة.

متغير أساسي:

‎لم تتراجع حدة الجدل داخل إيران حول الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران ومجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015، وقضى بفرض قيود، مؤقتة، على أنشطتها النووية، مقابل رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها. إذ مثّل هذا الاتفاق محوراً للاستقطاب السياسي الداخلي بين تيارى المحافظين الأصوليين والمعتدلين، خاصة في ظل تصاعد حدة الصراع على دعم النفوذ داخل مؤسسات النظام، على غرار مجلس الشورى ورئاسة الجمهورية.

‎فبعد أن سيطر تيار المحافظين الأصوليين، بأطيافه المختلفة، على أغلبية مقاعد مجلس الشورى في الانتخابات التي أجريت في فبراير الماضي بشكل مكّن أحد قياداته من الوصول إلى منصب رئيس المجلس وهو محمد باقر قاليباف، فإنه يسعى إلى الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وتعويض خسائره الفادحة في الدورتين السابقتين للانتخابات الرئاسية، اللتين فاز فيهما الرئيس الحالي حسن روحاني على بعض أبرز رموزه، وهو ما يفرض ضغوطاً وتحديات عديدة أمام تيار المعتدلين، الذي يواجه أزمة غير مسبوقة، يتمثل أبرز ملامحها في عدم وجود شخصية توافقية يمكن دفعها إلى المنافسة على منصب الرئيس في مواجهة الأصوليين.

اعتبارات عديدة:

‎قد لا يكون حلول الذكرى الخامسة للوصول إلى الاتفاق النووي هو السبب الوحيد الذي أدى إلى تصاعد حدة الجدل مجدداً حوله، إذ أن ثمة اعتبارات أخرى ساهمت في ذلك، ويمكن تناولها على النحو التالي:

‎1- ظاهرة الانفجارات: كان لافتاً أن حلول الذكرى الخامسة للوصول إلى الاتفاق جاء بعد فترة قصيرة من تصاعد ظاهرة الانفجارات التي تعرضت لها بعض المنشآت الرئيسية في البرنامجين النووي والصاروخي، على غرار منشأة بارشين العسكرية ومفاعل ناتانز لتخصيب اليورانيوم.

‎ومن هنا، سعى بعض قيادات المحافظين الأصوليين إلى الترويج إلى أن الاتفاق كان أحد الأسباب التي أدت في النهاية إلى بروز تلك الظاهرة، خاصة أن الجهات التي تقف خلفها، وفقاً للافتراض الذي يرجح ذلك، تسعى إلى منع إيران من الوصول إلى المستوى نفسه الذي كانت عليه أنشطتها النووية قبل الاتفاق، ولاسيما ما يتعلق برفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20%.

‎وفي رؤية هذا الاتجاه، فإن إيران منيت بخسائر كبيرة بسبب هذا الاتفاق، على غرار فرض قيود شديدة على أنشطتها النووية، لاسيما ما يتعلق بمستوى عمليات التخصيب وكميته، فضلاً عن تطوير أجهزة الطرد المركزي، وهو ما كان يمثل أوراق ضغط عززت، في رؤيته، من موقعها التفاوضي أمام مجموعة "5+1" قبل الوصول إلى الاتفاق في يوليو 2015.

‎لكن في مقابل ذلك، فإن الاتجاه المؤيد للاتفاق يرى أن إيران ما كانت تستطيع مواصلة تطوير أنشطتها النووية قبل الوصول إليه، سواء بسبب التداعيات القوية التي فرضتها العقوبات الدولية التي كانت مفروضة من جانب مجلس الأمن، أو بسبب الخشية من التعرض لهجوم عسكري لمنعها من الوصول إلى مرحلة أكثر خطورة في برنامجها النووي.

‎2- استمرار الضغوط الأمريكية: ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية حريصة على رفع سقف الضغوط التي تفرضها على إيران من أجل الاستجابة لدعوتها بإجراء مفاوضات جديدة للوصول إلى اتفاق آخر مختلف عن الاتفاق الحالي، ويتضمن بعض النقاط التي تحظى باهتمام خاص من جانبها، لاسيما ما يتعلق بعدم رفع القيود التي يمكن فرضها على بعض الأنشطة النووية الأكثر حساسية، مثل مستوى عمليات التخصيب، وتطوير أجهزة الطرد المركزي.

‎ففي هذا السياق، وبالتوازي مع العقوبات التي تفرضها على صادرات النفط الإيرانية، شنت واشنطن حملة دبلوماسية لتمديد الحظر المفروض على الأسلحة الذي من المزمع، طبقاً للاتفاق، رفعه في 18 أكتوبر القادم، مستندة في هذا السياق إلى أن رفع الحظر سوف يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، باعتبار أن إيران سوف تستغله لمواصلة دعمها العسكري لحلفائها في المنطقة من الأنظمة والميليشيات المسلحة.

‎كما تحاول الإدارة الأمريكية فرض قيود شديدة على العلاقات الثنائية التي تؤسسها إيران مع بعض الدول مثل سوريا وفنزويلا، من خلال العقوبات الجديدة التي فرضتها على بعض شركات الملاحة فضلاً عن قانون "قيصر" الذي بدأت تطبيقه على سوريا.

‎وهنا، فإن الاتجاه المعارض للاتفاق اعتبر أن هذه العقوبات الأمريكية تفرض تداعيات أكثر تأثيراً من العقوبات الدولية السابقة التي كان يفرضها مجلس الأمن، خاصة أنها جاءت في وقت تراجعت فيه أسعار النفط، فضلاً عن أنها توازات مع أزمات أخرى قوية، على غرار أزمة انتشار فيروس كورونا، ومع إجراءات تصعيدية أمريكية على المستوى الإقليمي، تمثل أبرزها في قتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني في 3 يناير 2020.

‎ورغم أن الاتجاه المؤيد للاتفاق حريص على رفض السياسة الأمريكية ولا ينكر تأثير العقوبات، فإنه يرى أن المشكلة لا تعود إلى الاتفاق النووي في حد ذاته، بقدر ما تعود إلى تباين الأجندات بين طهران وواشنطن، على المستويات المختلفة، خاصة ما يتعلق بدور إيران الإقليمي. وبمعنى آخر، فإنه يرى أن الاتفاق يمثل فقط قمة جبل الجليد في الخلافات المتعددة بين الدولتين.

‎3- تصاعد التوتر في العلاقات مع الدول الأوروبية: وذلك لاعتبارات عديدة يأتي في مقدمتها الإجراءات التصعيدية التي اتخذتها إيران في برنامجها النووي، على غرار رفع مستوى تخصيب اليورانيوم وزيادة كميته عن ما هو مسموح به في الاتفاق، إلى جانب التماهي الأوروبي مع الحملة الدبلوماسية الأمريكية لتمديد حظر الأسلحة، فضلاً عن الاتهامات الإيرانية المتوالية للدول الأوروبية بالعزوف عن تنفيذ التزاماتها في الاتفاق النووي من خلال رفع مستوى التعاملات الثنائية وتعزيز قدرة إيران على احتواء تأثير العقوبات الأمريكية.

‎وفي رؤية الاتجاه المناهض للاتفاق، فإن التعويل على العلاقات مع الدول الأوروبية لم يثبت نجاحه من البداية، بسبب حرص تلك الدول على عدم معارضة السياسات الأمريكية، فضلاً عن مسارعة كثير من شركاتها الرئيسية إلى الانسحاب من المشروعات التي انخرطت فيها مع شركات إيرانية وأجنبية أخرى تجنباً للتعرض لعقوبات أمريكية.

‎في حين يرى الاتجاه المؤيد أنه رغم ذلك، فإن تحسين صورة إيران على المستوى الدولي فضلاً عن تطوير علاقاتها مع الكثير من القوى الدولية يعتبر مكسباً غير هين، بعد أن كانت إيران تتعرض لشبه عزلة دولية، قبل الوصول إلى الاتفاق.

‎في النهاية، يمكن القول إن هذا الاستقطاب سوف يتواصل خلال المرحلة القادمة، على ضوء استمرار التصعيد بين طهران وواشنطن، فضلاً عن اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي في إيران في منتصف العام القادم.