أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

ملفات مترابطة:

كيف تتعامل إيران مع الضربة الغربية لسوريا؟

17 أبريل، 2018


أجمعت ردود الفعل التي أبدتها اتجاهات عديدة داخل إيران على أن الضربة التي وجهتها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ضد مواقع تابعة للنظام السوري، في 14 إبريل 2018، لا يمكن فصلها عن تغير توازنات القوى على الأرض لصالح الأخير، حيث سعت تلك الاتجاهات من خلال ذلك إلى التعتيم على اتهامه باستخدام الأسلحة الكيماوية في الهجمات العسكرية التي وقعت داخل مدينة دوما بالغوطة الشرقية، قبل ذلك بنحو أسبوع.

ورغم أن إيران حاولت تقليص أهمية تلك الضربة وتأثيراتها على النظام، باعتبار أنها ركزت فقط على استهداف المواقع الخاصة بالأسلحة الكيماوية في دمشق وحمص تحديدًا ولم تشمل أهدافًا أخرى، إلا أنها كانت حريصة في الوقت نفسه على قراءة دلالاتها السياسية ومدى ارتباطها بالملفات الأخرى التي تحظى بأهمية خاصة من جانبها، لا سيما الاتفاق النووي، الذي يقترب من استحقاق حاسم في 12 مايو القادم، عندما تقرر إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما إذا كانت ستواصل تعليق العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران بمقتضاه أم ستوقفه، بما يعني انسحابها منه.

دلالات عديدة:

طرحت هذه الخطوة التي قامت بها الدول الغربية الثلاث دلالات عديدة حظيت باهتمام خاص من جانب إيران يتمثل أبرزها في:

1- تقارب المواقف: بدأت إيران ترى أن السياسات التي تتبناها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه الملفات الإقليمية الأبرز ساهمت في تقريب الرؤى مع الدول الأوروبية الأخرى، خاصة بريطانيا وفرنسا، لدرجة باتت تدفعها إلى التماهي تدريجيًا مع تلك السياسات، على نحو بدا جليًا في حرصها على المشاركة في توجيه تلك الضربة.

ورغم اختلاف الظروف والحسابات بين الملفين السوري والنووي، فإن إيران، على ما يبدو، باتت تعتبر أن ذلك يعني أن تلك الدول قد تسير على نهج الإدارة الأمريكية في تعاملها معها فيما يتعلق بالمسارات المحتملة للاتفاق النووي خلال المرحلة القادمة.

وبمعنى آخر، فإن مشاركة تلك الدول في الضربة تشير، وفقًا لرؤية اتجاهات عديدة داخل طهران، إلى أنها ستنخرط في ممارسة ضغوط أكبر على إيران، خاصة فيما يتعلق بمطالبتها بالموافقة على إجراء تعديلات في الاتفاق بما يستوعب التحفظات الأمريكية العديدة تجاهه.

ومن هنا، يمكن تفسير أسباب الحملة القوية التي شنها المسئولون الإيرانيون ووسائل الإعلام الرئيسية ضد بريطانيا وفرنسا تحديدًا، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية بالطبع، وهى حملة بدأت حتى قبل الضربة بسبب التغير الملحوظ الذي يبدو جليًا في المواقف التي تتبناها لندن وباريس تجاه الملفات الإقليمية الأخرى، وعلى رأسها الاتفاق النووي وتدخلات إيران في الشئون الداخلية لدول المنطقة وبرنامج الصواريخ الباليستية.

2- تأثير روسيا: زادت أهمية الدور الذي تقوم به روسيا بالنسبة لإيران بعد الضربة، خاصة بسبب استخدامها الفيتو في مجلس الأمن لمنع صدور قرار بتشكيل لجنة تحقيق دولية لتحديد المسئول عن استخدام الأسلحة الكيماوية مجددًا في دوما، بناءً على مشروع تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية للمجلس، على نحو ساهم في تصاعد حدة التوتر في العلاقات بين روسيا والدول الغربية، حيث وجهت بريطانيا انتقادات قوية للأولى بعد أن اتهمتها باستخدام الفيتو لحماية النظام السوري، وبدأ الرئيس الأمريكي في توجيه تهديدات عبر حسابه على موقع "تويتر" بإطلاق صواريخ "ذكية وحديثة"، رافضًا أن تكون روسيا شريكًا داعمًا للإجراءات التي يتخذها النظام السوري.

وفي رؤية إيران، فإن ذلك قد يلقى بتداعياته على الملف النووي تحديدًا، في حالة ما إذا تطور التصعيد الحالي إلى مراحل غير مسبوقة، خاصة إذا انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية منه، وهو المسار الذي سيدفع إيران إلى اتخاذ الخطوة نفسها، بعد أن أكدت أنها لا تستطيع البقاء في الاتفاق بعد ذلك.

إيران لم تكتف بذلك، بل إنها هددت بإعادة تخصيب اليورانيوم لمستوى 20% في غضون أربعة أيام فقط، حسب تصريحات رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية على أكبر صالحي، في 9 إبريل الجاري.

وهنا، فإن الإجراءات التي سوف تتخذها القوى الدولية تنحصر في اللجوء إلى مجلس الأمن مرة أخرى لإعادة إصدار قرارات بعقوبات دولية على غرار تلك التي تعرضت لها قبل الوصول للاتفاق النووي، أو التلويح بالخيار العسكري لمنعها من تطوير قدرتها والاقتراب من مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية.

وإذا كان الخيار الثاني يواجه صعوبات عديدة، رغم أنه لا يمكن استبعاده، فإن الاحتمال الأقرب هو إعادة فرض عقوبات دولية، وهنا يأتي دور روسيا، التي قد تستطيع في هذه المرحلة أن تمنع استصدار تلك القرارات، وتدعم سياسات إيران.

ويبدو أن إيران تحاول استثمار التوتر المستمر في العلاقات بين روسيا والدول الغربية لتعزيز موقها استعدادًا لتلك المرحلة، خاصة بعد الحملات المتبادلة لطرد الدبلوماسيين التي قام بها الطرفان، على خلفية الاتهامات التي وجهتها بريطانيا إلى روسيا بالمسئولية عن محاولة اغتيال الجاسوس الروسي السابق سيرجي سكريبال وابنته في 4 مارس 2018.

3- عدم مشاركة إسرائيل: اعتبرت الاتجاهات السابقة أن حرص الدول الغربية على عدم إشراك إسرائيل في الضربة الثلاثية، كان الهدف منه توجيه رسالة بأن أولويتها تنحصر في استهداف المواقع الخاصة بالأسلحة الكيماوية فقط التي يمتلكها النظام السوري، دون توسيع نطاقها لتشمل قصف مواقع تابعة لإيران أو الميليشيات الموالية لها، خاصة حزب الله، لا سيما أن إسرائيل قامت، في 9 إبريل الجاري، بتوجيه ضربة سريعة لمطار "تي فور" العسكري، أسفرت عن مقتل 7 من العسكريين الإيرانيين من بينهم عقيد متخصص في تسيير الطائرات من دون طيار.

ويبدو أن إيران كانت تتوقع في الفترة السابقة على الضربة الغربية إشراك إسرائيل فيها، وهو ما دفعها إلى توجيه تهديدات مباشرة للأخيرة، بضرورة تجنب استهداف المزيد من مواقعها داخل سوريا.

هذه التهديدات بدأها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قبل الضربة الأخيرة بيوم واحد، حيث قال أن "إسرائيل أقحمت نفسها في مواجهة مباشرة مع إيران عندما قامت بقصف المطار العسكري واستهدفت سبعة مقاتلين من الحرس الثوري"، معتبرًا أن "هذه حادثة مفصلية لا يمكن تجاوزها بسهولة"، في إشارة إلى أن إيران قد تقوم، عن طريق الحزب، بالرد على تلك الضربة في مرحلة لاحقة.

وكان لافتًا أيضًا أن بعض المسئولين الإيرانيين وجهوا تهديدات مماثلة لإسرائيل، حيث قال ممثل المرشد في "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري علي شيرازي، في 12 إبريل الجاري، أن "إيران قادرة على تدمير إسرائيل"، محذرًا الأخيرة من "تجنب أى إجراء ضد الجمهورية الإسلامية".

4- قلق تجاه الصين: لم تخف طهران قلقها من المواقف التي تتبناها الصين في مجلس الأمن في الملفات التي تحظى باهتمام خاص من جانبها. فللمرة الثانية على التوالي، تمتنع الصين عن التصويت، حيث اتخذت هذا الموقف للتعامل مع مشروع القرار الذي أعدته بريطانيا، بالتشاور مع الولايات المتحدة وفرنسا في 18 فبراير 2018، لإدانة إيران بسبب تقاعسها عن وقف تهريب الأسلحة والصواريخ إلى الحوثيين. وكررت ذلك في مشروع القرار الذي أعدته الولايات المتحدة، في 10 إبريل، للدعوة لتشكيل لجنة تحقيق دولية بعد استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا.

هذه السياسة التي تتبناها الصين تعني بالنسبة لإيران أنه لا يمكن الرهان على دعم بكين لها داخل مجلس الأمن، في حالة ما إذا وصل التصعيد بين إيران والدول الغربية إلى مرحلة حرجة قد تتجه الأخيرة فيها إلى المجلس لاستصدار قرارات ضدها، على نحو قد يتحول إلى متغير مهم يساهم في تحديد اتجاهات السياسة التي ستتبعها طهران تجاه بكين خلال الفترة القادمة.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن إيران قرأت الضربة الغربية لنظام الأسد على أنها بداية لمرحلة جديدة من التصعيد على الساحة الإقليمية، وخاصة في سوريا، بشكل قد يدفعها، بالتنسيق مع روسيا، إلى دعم الخطوات الجديدة التي سيتخذها النظام السوري ويسعى من خلالها إلى انتزاع مزيد من المناطق التي تسيطر عليها قوى المعارضة والتنظيمات والمسلحة، مع الاستعداد مجددًا لتصعيد محتمل مع إسرائيل.