أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

ضغوط قوية:

هل تواجه سوريا أزمة وقود في الفترة المقبلة؟

16 يوليو، 2019


تفاقمت أزمة نقص الوقود في سوريا منذ إبريل 2019 بسبب انقطاع إمدادات النفط الإيراني إليها مع رفع مستوى العقوبات الأمريكية على إيران بداية من أغسطس 2018. وعلى الأرجح سوف تزداد حدة الأزمة خلال الفترة المقبلة مع تصاعد الرقابة الدولية على شحنات النفط الإيراني المتجهة لسوريا مؤخرًا. وبحسب اتجاهات عديدة، فإن ثمة خيارات محتملة يمكن للنظام السوري اللجوء إليها لتوفير احتياجات الوقود، من بينها تهريب النفط عن طريق المعابر الحدودية مع دول الجوار، أو التفاوض مع الأكراد الذين يسيطرون على عدة حقول من النفط، أو الحصول على إمدادات من روسيا. 

تعويض الخلل:

تسبب الصراع المستمر في سوريا منذ أكثر من ثماني سنوات في خسائر حادة لقطاع النفط والغاز الطبيعي وبقيمة بلغت 74.2 مليار دولار بحسب تصريحات وزير النفط السوري علي غانم في 10 إبريل 2019. وجاء ذلك نتيجة تعرض كثير من حقول النفط والغاز الطبيعي ومنشآت الإنتاج لتخريب متكرر نتيجة القتال والهجمات العسكرية من الميليشيات المسلحة، ومن بينها تخريب الأنابيب البحرية الواصلة إلى مصفاة مدينة بانياس الساحلية في يونيو الفائت.

وعليه، فقد تراجعت القدرات الإنتاجية لسوريا من النفط والغاز الطبيعي بشدة في السنوات الماضية. ووفقًا للتقرير الإحصائي لشركة "بي بي" البريطانية، فقد بلغ إنتاج النفط الخام في البلاد نحو 24 ألف برميل يوميًا في عام 2018، مقابل نحو 385 ألف برميل في عام 2010، أى بتراجع أكثر من 90%،  بينما وصل إنتاج الغاز الطبيعي إلى نحو 3.6 مليار متر مكعب في عام 2018 مقارنة بـ 8.4 مليار في عام 2010، أى بانخفاض 57.1%.

وليس معلومًا على وجه الدقة الإنتاج الحقيقي من المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، حيث لاتزال هناك بعض حقول النفط والغاز الطبيعي النشطة الواقعة تحت سيطرة ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وبشكل رئيسي في دير الزور على غرار حقل العمر، وهو الأكبر في سوريا، إلى جانب حقلى التنك وجفرا. 

وعلى ضوء هذا التراجع، لا يلبي الإنتاج المحلي أكثر من 20% من الاحتياجات، حيث أن البلاد تستهلك يوميًا نحو 136 ألف برميل يوميًا من النفط اللازم لتكريره وإنتاج البنزين وباقي المشتقات النفطية. وبناءً عليه، فقد اعتمد النظام السوري في الفترة الماضية على عدة مصادر خارجية لتلبية الاحتياجات.

وكان من بين أهم هذه المصادر، بالسنوات الماضية، إيران، حيث صدرت ما يتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين برميل من النفط الخام ومنتجاته لسوريا شهريًا وفقًا لبعض الاتجاهات. كما وفرت بعض المناطق الخاضعة ‏لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" قسمًا من احتياجات النظام السوري، وذلك بالتعاون مع بعض التجار والشركات الوسيطة. وساعدت روسيا في بعض الأحيان النظام في توفير اسطوانات الغاز اللازمة للأغراض المنزلية.

تأثير العقوبات:

ولكن منذ رفع مستوى العقوبات الأمريكية على إيران، واجهت الأخيرة صعوبة كبيرة في توريد النفط إلى سوريا، نظرًا لتعرضها لضغوط مالية واسعة أو لتشديد الرقابة على صادراتها للأسواق الدولية. وبحسب شركات "تتبع السفن"، لم تتلق سوريا، منذ أواخر عام 2018 وحتى شهر إبريل الماضي، أى إمدادات من النفط الإيراني. 

وقد أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية تحذرين، أحدهما في نوفمبر 2018 والآخر في مارس 2019، لشركات الشحن البحري العالمية تهدد فيهما بإمكانية فرض عقوبات عليها إذا ما ساعدت النظام السوري في الحصول على النفط من الأسواق الدولية وخاصة النفط الإيراني. 

وبناءً على هذه القيود، اتسع نطاق أزمة الوقود في سوريا خلال الأشهر الماضية، ولا سيما في إبريل الماضي، حيث واجهت الأسواق نقصًا في منتجات البنزين والغاز الطبيعي وغيرها، وهو الأمر الذي علله مسئولون سوريون، في أكثر من مناسبة، بتوقف الخط الائتماني الإيراني لسوريا لأكثر من ستة أشهر. 

وتحت وطأة هذه الأزمة، قامت طهران بتوريد شحنة مقدرة بنحو مليون برميل نفط خام وصلت لميناء بانياس السوري في الأسبوع الأول من مايو 2019، وذلك طبقًا لما رصدته شركتا "تانكر تراكرز" و"كليبر داتا"، ولتعد أول شحنة نفط إيرانية تتسلمها سوريا منذ نهاية عام 2018، وذلك في إشارة واضحة على أن طهران لم تتخلى عن دعم النظام السوري نهائيًا.

وكانت هناك إمدادات نفطية إيرانية أخرى متجهة إلى سوريا لولا أن قوات البحرية البريطانية، بالتعاون مع سلطات جبل طارق، احتجزت الناقلة "غريس1"- المحملة بشحنة قدرها مليونى برميل من النفط الإيراني- في 4 يوليو الجاري، وكانت في طريقها إلى مصفاة مملوكة لوزارة البترول السورية، وبررت اتخاذ هذه الخطوة بالالتزام بعقوبات الاتحاد الأوروبي على الحكومة السورية منذ عام 2011.

وعلى هذا النحو، يبدو أن المجتمع الدولي سوف يشدد من قيوده على خطوط إمدادات النفط الإيراني لسوريا، وهو ما قد يُعرِّض الأخيرة لأزمة جديدة من نقص الوقود مثلما تفاقمت في إبريل الماضي، على نحو سوف يزيد من حدة الضغوط الاقتصادية على النظام. 

بدائل محتملة:

عملت الحكومة السورية على مواجهة أزمة نقص الوقود في إبريل الماضي من خلال ترشيد الاستهلاك، وقد فرضت حدًا أقصى لاستهلاك البنزين المدعوم بـ20 لتر كل يومين للسيارة الواحدة. كما خفضت مخصصات البنزين للسيارات المملوكة للحكومة بمقدار النصف. وفي اتجاه آخر، حث مجلس الوزراء وزارة النفط على مواصلة إصلاح آبار النفط ومنشآت الطاقة في المناطق التي يسيطر عليها النظام.

ومن شأن هذه الإجراءات التخفيف، مؤقتًا، من حدة الأزمة، بيد أنها لن تحول دون تفاقمها في المستقبل القريب. وقد يتطلب الأمر من النظام السوري- بحسب بعض الترجيحات- البحث عن بدائل أخرى لتوفير إمدادات كافية من النفط. ويتمثل البديل الأول في الحصول على النفط الإيراني عن طريق الحدود البرية مع الدول المجاورة.

 وفي هذا الصدد، قال مدير شركة توزيع وتخزين الموارد البترولية السوري مصطفى حمورية، في 14 إبريل الماضي، أن الحكومة السورية بصدد توقيع اتفاقيات لأجل توفير واردات نفطية من دول مجاورة. لكن ربما تواجه مساعيها في هذا الشأن عقبات عديدة من أهمها تمركز القوات الأمريكية والميليشيات العسكرية المناوئة للنظام على طول المعابر مع الدول المجاورة، ولا سيما بين العراق وسوريا. 

أما البديل الثاني فينصرف، بحسب الترجيحات، إلى تنشيط تجارة النفط مع المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية"، بيد أنه بديل لن يساهم سوى في توفير جزء ضئيل من احتياجات سوريا مع تدهور إنتاج النفط في معظم الحقول السورية، فضلاً عن اتجاه بعض الميليشيات مؤخرًا لقطع طرق إمدادات النفط بين مناطق الأكراد والنظام السوري. 

فيما يتعلق البديل الثالث بإمكانية الحصول على النفط من الحليف الآخر وهو روسيا، التي سوف تربط ذلك، في الغالب، بمدى حصولها على مكاسب سياسية واقتصادية جديدة. 

   وختامًا، يمكن القول إن النظام السوري قد يواجه أزمة جديدة في نقص الوقود خلال الفترة المقبلة تتطلب بدورها البحث عن بدائل أخرى قد تكون مُكلِّفة اقتصادية وسياسيًا على أية حال.