اختتمت أعمال القمة الـ 21 لمنظمة "شنغهاي للتعاون" يوم 17 سبتمبر 2021 بالعاصمة الطاجيكية "دوشنبه"، والتي استمرت اجتماعاتها على مدى يومين، حيث تمحورت النقاشات حول الأزمة الأفغانية وآليات التعامل الجماعي مع التهديدات الجديدة التي تواجهها منطقة وسط آسيا بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وعودة حركة طالبان إلى الحكم. وأعلنت المنظمة في هذا الاجتماع موافقتها على منح إيران العضوية الكاملة فيها بعدما ظلت حاملة لصفة المراقب منذ عام 2005.
جدير بالذكر أن منظمة "شنغهاي للتعاون" تأسست في 15 يونيو 2001 بمدينة شنغهاي الصينية، على يد كل من الصين وروسيا وكازاخستان وطاجيكستان وأوزباكستان وقيرغيزستان، ووقّع ميثاقها في يونيو 2002 ودخل حيز النفاذ في 19 سبتمبر 2003، حيث تعمل المنظمة على توسيع أُطر التعاون السياسي والاقتصادي بين دولها. وفي عام 2005 انضمت إيران والهند وباكستان للمنظمة بصفة عضو مراقب، ثم تحولت الهند وباكستان إلى العضوية الدائمة عام 2017.
سياقات دافعة:
جاءت مسألة عضوية إيران في منظمة "شنغهاي للتعاون" بعد تحركات من جانب الأولى على مدار السنوات الماضية، وتشير رئاسة إبراهيم رئيسي لوفد إيران في اجتماع دوشنبه في أول جولة أو نشاط خارجي له منذ توليه منصبه رسمياً في أغسطس الماضي، إلى مدى الأهمية التي توليها طهران لهذا التجمع، خاصة أن رئيسي كان معه وفد رفيع المستوى ضم عدداً من الوزراء. وتأتي عضوية إيران في هذه المنظمة في سياق سعيها إلى تحقيق مجموعة من الأهداف أبرزها الآتي:
1– تحقيق إنجاز على صعيد السياسة الخارجية الإيرانية، بحيث يُحسب للرئيس الحالي إبراهيم رئيسي في مواجهة الرأي العام الداخلي، لاسيما في الأوساط الشبابية التي تشعر بالإحباط بعد توقف المفاوضات النووية مع الغرب، واستمرار العقوبات الدولية الناجمة عن انسحاب واشنطن عام 2018 من الاتفاق النووي الإيراني المُبرم عام 2015، وهي الخطوة التي مازالت لها تداعيات سلبية على قطاعات واسعة من الشعب الإيراني.
2– كسر العزلة السياسية والاقتصادية التي يعانيها النظام الإيراني، وذلك منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وعدم النجاح في تحقيق تقدم حقيقي خلال محادثات فيينا الأخيرة بجولاتها المتعددة وصولاً إلى تعليق هذه المباحثات، وتحميل طهران المسؤولية عن ذلك من جانب الدول الغربية، خاصة أن النظام الإيراني وضع العديد من العراقيل غير الموضوعية بالنسبة للغرب، رافضاً التجاوب مع المحددات المطروحة من جانب المفاوضين، ومتمسكاً برفع العقوبات الاقتصادية من أجل التفاوض الجدي.
3– إظهار التوافق السياسي مع روسيا والصين، وذلك حول عدد من القضايا الرئيسة التي تهم الدول الأعضاء في منظمة "شنغهاي للتعاون"، وعلى رأسها المسألة الأفغانية خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من هذا البلد وتوابع ذلك التي أدت إلى استيلاء حركة طالبان على الحكم مجدداً، وعدم وضوح الرؤية بشأن القوى التي ستملأ هذا الفراغ الأمريكي. وترى إيران في ذلك فرصة للتدخل في أفغانستان؛ نظراً لعلاقاتها الممتدة مع طالبان وسابق استضافتها مؤتمرات الحوار الأفغاني على أراضيها. كما ترى إيران أيضاً في هذه التطورات أهمية حيوية يمكن توظيفها في إيجاد أرضيات مشتركة لحوارات مستقبلية مع واشنطن، بحيث تفرض فيها طهران نفسها كعنصر مؤثر في المسألة الأفغانية خلال أي مباحثات أو ترتيبات إقليمية قادمة.
4– التأكيد على العلاقة الاستراتيجية مع الصين، حيث سبق أن وقّعت الدولتان في مارس 2021 وثيقة "التعاون الاستراتيجي الشامل" والتي تستمر لمدة 25 عاماً، وتشمل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها. وهذا ما تعتبره طهران اختراقاً نوعياً للعقوبات المفروضة عليها، خاصة أن الرؤية الإيرانية هنا تُقيّم الخطوة الصينية باعتبارها تحدياً للإرادة الأمريكية ورد فعل مباشر على استهداف السياسة الخارجية الأمريكية في الآونة الأخيرة لبكين، لاسيما أن إيران تعد أحد أهم مصادر إمداد الصين بالنفط مقابل كون الأخيرة المتنفس الرئيسي للحصول على احتياجات طهران من البضائع والتكنولوجيا، فضلاً عن تطوير قطاع التشييد والبناء وصيانة المصافي النفطية في إيران.
حسابات المكسب:
يدرك النظام الإيراني محدودية العوائد المترتبة على عضويته في منظمة "شنغهاي للتعاون"؛ نظراً للإجراءات الواجب اتخاذها من قِبل المنظمة لدمج طهران فعلياً داخل منظومتها كدولة كاملة العضوية والتي قد تستمر لمدة عامين من الآن، فضلاً عن كون روسيا والصين هما المسيطرتان على قرارات السياسة الخارجية للمنظمة. ومع ذلك فإن الانضمام للمنظمة في حد ذاته ظل طموحاً إيرانياً سعياً وراء تحقيق بعض المكاسب وهي كالآتي:
1– تعزيز وضع إيران في آسيا الوسطى، لاسيما في الجمهوريات السوفييتية السابقة الأعضاء بمنظمة "شنغهاي للتعاون". كما يطرح النظام الإيراني نفسه باعتباره شريكاً مرغوباً فيه من خلال التزامه بمكافحة "محاور الشر الثلاثة" للصين، والمتمثلة في الإرهاب، وتهريب المخدرات، وتدفق اللاجئين.
2– إيجاد الوسائل المناسبة للنفاذ إلى أفغانستان، وذلك تحت غطاء منظمة "شنغهاي للتعاون"، لاسيما مع قرار المنظمة عام 2017 بإحياء مجموعة الاتصال بينها وبين أفغانستان، وأيضاً في ضوء الرغبة الروسية في إشراك إيران في المباحثات الرباعية حول أفغانستان (تضم كلاً من الولايات المتحدة وروسيا والصين وباكستان)، إضافة إلى المكاسب التي ستحققها إيران جراء عملية إعادة الإعمار في أفغانستان حال البدء فيها، خاصة أن قطاع المقاولات في إيران يسيطر عليه بشكل شبه مطلق الحرس الثوري.
3– دعم النظام الإيراني في الداخل، وذلك عبر التخفيف من حدة الانتقادات الموجهة للنظام الإيراني بشأن الديموقراطية والحريات العامة، ومن خلال دعوة مراقبين من منظمة "شنغهاي للتعاون" لأي انتخابات قادمة يسعى النظام الإيراني خلالها لإضفاء صورة ذهنية إيجابية حوله. كما يمكن للنظام الإيراني استخدام وثائق المنظمة التي تُتاح للدول الكاملة العضوية فيها، والخاصة بمكافحة الإرهاب، في تهميش أي فصيل معارض أو منظمة انفصالية في الداخل الإيراني.
وحول جدية هذه المكاسب من عدمها، يمكن القول إن الإطار الحالي لمنظمة "شنغهاي للتعاون" لا يوفر الصيغة المناسبة للطموحات الإيرانية؛ نظراً لعدم وجود محاور مؤثرة ناتجة عن آليات العمل الجماعي للمنظمة. فعلى سبيل المثال، لا يوجد محور روسي - صيني تعول عليه إيران لإحداث اختراقات على الساحة الدولية. ومن ناحية أخرى، فإن حجم التجارة بالعملات الوطنية بين إيران وكل من روسيا والصين يظل متواضعاً بالرغم من سابق الاتفاق على إزالة التعاملات بالدولار الأمريكي وإيجاد نظام بديل لـ "السويفت"، وهو ما يعني أن العوائد الاقتصادية المرجوة من عضوية إيران في منظمة "شنغهاي للتعاون" ستكون هامشية، وأن المسألة ستعود مرة أخرى للاتفاقات الثنائية بعيداً عن الأطر الاقتصادية للمنظمة.
موقف واشنطن:
ظلت الخلافات البينية داخل منظمة "شنغهاي للتعاون" عائقاً أمام تحقيق أهدافها؛ نظراً لآلية اتخاذ القرار داخلها والتي تقضي بالإجماع بين الدول الأعضاء لإنفاذ أي من القرارات، ما يعرقل مسألة تطوير أداء المنظمة وتحقيقها طموحات أعضائها، على غرار الاتحاد الأوروبي.
وعليه، فإن مسألة انضمام إيران لمنظمة "شنغهاي للتعاون" قد لا تقلق الولايات المتحدة، لاسيما أن هناك مجموعة من المصالح التي تربط دولاً في هذه المنظمة بواشنطن، وهو ما ستنتج عنه محدودية في المردودات الإيجابية على طهران بشأن احتمالية كسر العقوبات الأمريكية والدولية عليها أو حتى الالتفاف عليها بشكل حقيقي. ومع ذلك، قد لا تتمكن إدارة الرئيس جو بايدن من فرض رؤيتها بشأن إيران؛ نظراً لتوتر العلاقات الأمريكية مع روسيا والصين، إضافة إلى تراجع الاهتمام الأمريكي بجمهوريات آسيا الوسطى.
وبناءً على ما تقدم، من الواضح أن عضوية إيران في منظمة "شنغهاي للتعاون" قد لا تسفر عن مكاسب مضمونة بالنسبة للأولى؛ نظراً للتعقيدات الهيكلية داخل المنظمة، وتركز آلية اتخاذ القرارات المصيرية في يد اللاعبين الرئيسيين فيها وهما روسيا والصين، ما لا يتيح المجال لباقي الأعضاء لفرض إرادتهم على قراراتها، وهو الأمر الذي تدركه بكل تأكيد دوائر صُنع القرار الإيرانية. ومع ذلك، فإن هذه العضوية تمثل أهمية حيوية بالنسبة لطهران فيما يتعلق بالترويج لوجود ترحيب ودعم خارجي لسياسات النظام الإيراني في مواجهة منتقديه داخلياً وخارجياً، فضلاً عن وجود مسؤولين إيرانيين في محافل إقليمية ودولية، بالرغم من أن عدداً منهم يقع تحت طائلة العقوبات الدولية.
من جانب آخر، فإن المكاسب المتوقعة جراء العضوية الكاملة لإيران في منظمة "شنغهاي للتعاون" تعد نسبية، ولها حسابات وقواعد خاصة لاسيما فيما يتعلق بأفغانستان. فإيران لا تتمتع بثقة طالبان أو نفوذ لديها، على عكس باكستان التي لن ترضى أيضاً عن تدخلات إيرانية تقوض مصالحها في كابول. كما أن مسألة المشاركة الإيرانية في إعادة إعمار أفغانستان تعد أيضاً محل شك في ظل الرغبة الصينية والروسية من ناحية والغرب من ناحية أخرى في إحداث توافقات في هذا الشأن، ما قد لا يتيح المجال لإيران بالوجود بشكل يرضيها في هذا الملف، وهو ما يعكس الصعوبات التي قد تواجه طهران في سعيها للعب دور مؤثر في المسألة الأفغانية خلال الفترة القادمة بالرغم من انضمامها كعضو في منظمة "شنغهاي للتعاون".