أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

"اتفاق الإطار النووي":

مكاسب إيرانية مؤقتة تواجه حسابات داخلية معقدة

03 أبريل، 2015


حققت الدبلوماسية متعددة الأطراف تقدماً واضحاً بالتوصل لتفاهمات غير مسبوقة بين مجموعة دول (5+1) وإيران، أسهمت في التوقيع على "اتفاق العمل الإطاري" بعد مفاوضات امتدت لمدة يومين إضافيين بعد المدة التي سبق الاتفاق عليها، أي قبل يوم 31 مارس 2013، في مدينة "لوزان" بسويسرا.

مضمون الاتفاق

اتفقت الأطراف المتفاوضة على حزمة من الإجراءات المتبادلة يتم بموجبها تحجيم الطموحات النووية الإيرانية – من وجهة نظر الغرب – من خلال تقليص الأنشطة النووية عن مستوياتها الحالية، مقابل رفع العقوبات الدولية والأمريكية والأوروبية عن إيران، على أن تتواصل الاجتماعات لصياغة اتفاق نهائي بحلول 30 يونيو 2015، وعلى أن تضطلع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمسؤولية التأكد من التزام طهران بما وقعت عليه، وأن يقوم مديرها "يوكيا أمانو" بتقديم تقريره القادم لاتخاذ الإجراءات اللازمة للبدء في عملية رفع العقوبات الدولية، وما يلي ذلك من إجراءات تتابعية خاصة بهذا الشأن، وكذلك أن يشرف الاتحاد الأوروبي على تنفيذ هذا الاتفاق، كما ستصوت عليه الأمم المتحدة.

ومن واقع بنود الاتفاق، فقد التزمت إيران أمام المجموعة الدولية المفاوضة بتخفيض أعداد أجهزة الطرد المركزي العاملة في منشآتها الخاصة بالتخصيب من 19 ألف جهاز طرد مركزي إلى 6 آلاف جهاز فقط، على أن تخصص لذلك منشأة "ناتانز" النووية، بينما تتحول منشأة "فوردو" إلى مركز للأبحاث الفيزيائية، وتخفيض أعداد أجهزة الطرد المركزي فيها بنسبة 75%، هذا بالإضافة إلى استبدال إيران لأجهزة الطرد المركزي التي يطرأ عليها أعطالاً بأجهزة أخرى دون إنتاج أجهزة جديدة أو استحداث منشآت لهذا الغرض.

كما تم الاتفاق على أن يكون مستوى تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5%، وأن يجري التخلص من المخزون المخصب بنسبة تتراوح ما بين 5% إلى 20%، وتحويل هذه الكميات إلى "أوكسيد اليورانيوم"، ووقف النشاط في منشأة "آراك" خاصة إنتاج الماء الثقيل والوقود الخاص بهذه المنشأة، على أن يسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش اليومي لمنشآت "ناتانز" و"فوردو"، ومراكز إنتاج قطاعات أجهزة الطرد المركزي ومستودعات تخزينها، وتفتيش المناجم في إيران ضماناً لعدم انحراف الأخيرة عن التزاماتها التي تم الاتفاق عليها.

وفي المقابل، سوف يجري تحويل مبلغ 15 مليار دولار من إجمالي الأرصدة الإيرانية المجمدة في الخارج، والمقدرة بحوالي 100 مليار دولار، والحصول أيضاً على 4,2 ملياراً أخرى من مستحقات إيران من بيع النفط، على أن يستمر الحظر على البنك المركزي الإيراني وباقي البنوك الإيرانية وشركات التأمين وقطاع النقل البحري.

التكتيك التفاوضي الإيراني في المباحثات النووية

اعتمدت إيران خلال المفاوضات التي أجرتها مع مجموعة (5+1) على مجموعة من التكتيكات على خلفية محددات وثوابت السياسة الخارجية الإيرانية، والتي أسهمت بشكل فعال في الوصول لصيغة من التفاهمات التي أتاحت لها الحصول على مكاسب حقيقية، وإن لم تكن مرضية لطموحاتها بشكل كامل، إلا أنها على الأقل قد حققت أفضل الممكن في هذه المرحلة في ظل التناقضات الداخلية والضغوط الخارجية التي يعمل فيها المفاوض الإيرانى، ووضعت الأساس الذي سيُمكِنها من الوصول لغاياتها النهائية خلال المراحل التفاوضية اللاحقة، وصولاً للموعد المعتمد للتوقيع على الاتفاق النهائي في يونيو القادم، وتتمثل إبرز هذه التكتيكات في الآتي:ـ

أولاً: اعتماد أسلوب إطالة زمن المفاوضات وتعدد جولاتها بشكل يؤدي لإرهاق الطرف المقابل ويشعره بإمكانية فشل المفاوضات ويضعه تحت هذه الضغوط، وذلك بغرض الحصول على أكبر مكاسب ممكنة جراء ذلك، مع الدخول في عملية تفاوضية مركبة ومتعددة الموضوعات والتفاصيل للظهور في صورة الطرف الذي يقدم تنازلات متعددة مقابل بند واحد، والاستمرار على هذا النهج والعودة لنقطة البداية مع بداية كل جولة مفاوضات.

ثانياً: التضخيم من مستوى القدرات والطموحات النووية الإيرانية بالتوازي مع انتهاج سياسة الغموض المستمر من خلال وضع عراقيل أما عمليات التفتيش الدولية والحيلولة دون الوصول للأماكن المطلوبة في توقيتاتها، وضرب سياج من الغموض النووي من خلال الإعلان - أو تسريب معلومات - عن مواقع نووية جديدة أو مشتبه في طبيعة أنشطتها أو الغرض منها لتصدير "صورة ذهنية" مقلقة بشأن طبيعة البرنامج النووي الإيراني ومدى سلميته من عدمه؛ مما خلق حالة من عدم اليقين لدى الطرف المقابل أدت به للسعي نحو تقديم تنازلات متلاحقة للطرف الإيراني.

ثالثاً: الاستفادة من التهويل الذي قامت به إسرائيل من حجم وتطور الأنشطة النووية الإيرانية ومدى القلق من تحول إيران لقوة نووية عسكرية وتأثيره على أمن إسرائيل، بالتوازي مع تصريحات متشددة من جانب مسؤولين عسكريين إيرانيين تجاه ممارسة إسرائيل ضغوطاً على المفاوضين خاصة الولايات المتحدة الساعية للحصول على مكاسب تفاوضية تضمن الوقوف على طبيعة البرنامج النووي الإيراني، والحيلولة دون أن تتسبب أي اتفاقات في تهديد أمن إسرائيل؛ حيث استفادت إيران من هذا التهويل الإسرائيلي المبالغ فيه في تطويل أمد التفاوض من جانب، والضغط لرفع العقوبات من جانب آخر.

رابعاً: تفتيت القضية محل التفاوض والتحول بها إلى قضية فنية بحتة بعيداً عن مناقشة باقي عناصر المفاوضات، وإقحام قضايا أخرى في التوقيتات الحرجة التي يرى فيها المفاوض الإيراني محدودية قدرته على المناورة، وسعياً لكسب الوقت لحدوث متغيرات تساعده في المساومة والالتفاف على النقطة التي يرغب في تجاوزها، وهو الأمر الذي يصيب الطرف المقابل بالارتباك نتيجة عدم قدرته على البقاء في حالة تركيز مع القضايا الرئيسية محل التفاوض.

خامساً: بث شعور بعدم جدية إيران في استكمال المفاوضات من خلال تضارب التصريحات أثناء المفاوضات من مسؤولين إيرانيين أصحاب تأثير، والاستفادة من ذلك في إشعار الطرف المفاوض بضرورة استثمار الفرصة المتاحة للتوصل لاتفاق في ظل الضغوط الداخلية التي يتعرض لها الوفد الإيراني المفاوض من قبل المحافظين في إيران، وعدم إضاعة المجال المفتوح للتفاوض من خلال تقديم تنازلات لإيران تسهم في إعطاء الفرصة للمفاوضين الإيرانيين في الترويج للاتفاق الذي يعارضه المحافظون هناك.

سادساً: استثمار الضغوط التي يتعرض لها الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" من جانب الجمهوريين وبعض أعضاء حزبه النافذين جراء رغبة "أوباما" في تحقيق تقدم يحسب إليه ولإدارته وعدم الفشل في مواجهة الجمهوريين في الضغط على المفاوض الأمريكي ودفعه للتساهل في مطالبه التفاوضية، تحقيقاً لأكبر قدر من المكاسب أو تجنب تقديم تنازلات غير مرضية لإيران، وكذا الضغط على باقي أعضاء المجموعة الغربية المفاوضة للتخفيف من حدة مطالبهم.

المكاسب التي تحققت لإيران جراء الاتفاق

لاشك أن المفاوض الإيراني وفقاً لكافة الحسابات قد حقق بالوصول لهذا الاتفاق، وبهذه الصيغة، الكثير من النجاح الذي فاق توقعات النظام الحاكم في إيران، والذي يعاني من ضغط داخلي يتمثل في التطلعات الشعبية لكسر حالة الجمود في تحقيق انفراجة اقتصادية، علاوة على الطموحات الداخلية في التوصل لتفاهم ينهي عزلة إيران عن العالم الغربي ويفتح آفاقاً أوسع بعيداً عن الصيغة التقليدية التي دأب النظام على تصويرها ونظرية المؤامرة التي دأب على تكريس أبعادها لتبرير الوضع الاقتصادي المتأزم وتراجع الحريات العامة.

وإضافة لما سبق، فقد نجح النظام الإيراني في الاستفادة من هذه المفاوضات والاتفاق الذي ترتب عليها، وذلك على النحو التالي:ـ

أولاً: الحصول على اعتراف دولي واضح بمشروعية البرنامج النووي الإيراني رغم سابق التحفظات التي واجهها هذا البرنامج من قبل الولايات المتحدة والغرب، حيث أصبحت المفاوضات بعيدة تماماً عن تجميد عناصر البرنامج النووى ووقف أنشطته وصولاً للتفاوض بشأن الضمانات الخاصة بعدم انحراف البرنامج الإيرانى، والاعتراف بسلميته، فضلا عن تجاوز نقاط خلافية رئيسية مرتبطة بالسماح بالتخصيب على الأراضي الإيرانية فيما كان هذا الأمر مرفوضاً بشكل مطلق من قبل الغرب، بل والحصول على مساعدات ذات طبيعة تقنية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية سوف تسهم حتماً في تطور هذا البرنامج مستقبلا.

ثانياً: تحقيق مكاسب على الصعيد الاقتصادي من خلال الاتفاق على كسر حدة العقوبات الدولية المفروضة على إيران منذ أمد، ولو بشكل تدريجي ولكن متسارع ومرتبط بالوفاء بالالتزامات المتفق عليها، مع وجود فرصة للمساومة من خلال ربط الالتزامات الإيرانية بالمدى الزمني لرفع العقوبات؛ الأمر الذي يعطي الفرصة للنظام الإيراني للتحرر من الضغوط المفروضة عليه داخلياً.

ثالثاً: ظهور تماسك النظام في إيران وتوحده حول الوفد الممثل له في المفاوضات النووية رغم جدية الخلافات بين المحافظين المدعومين من الحرس الثوري وبين التيار الإصلاحي، والتي لم تمنع من منح المرشد الأعلى "على خامنئي" الضوء الأخضر للاستمرار في المفاوضات، ما أعطى المفوض الإيراني مجالاً أوسع من الحركة والقدرة على المناورة أثناء المفاوضات.

رابعاً: إحداث حالة من العزل المؤقت لإسرائيل التي طالما سعت لإفشال المفاوضات من خلال المتاجرة بتداعيات نتائج هذه المفاوضات على أمنها، مما أسهم في توتر مؤقت في العلاقات مع إدارة الرئيس "أوباما" الراغبة في إنجاز اتفاق يضمن تحجيم الطموحات النووية الإيرانية خلال المرحلة القادمة، الأمر الذى استثمرته إيران كذلك في تعزيز وضعيتها التفاوضية من خلال تدخلها في قضايا إقليمية متشعبة أثرت بلا شك في توجهات المفاوضين، لاسيما الجانب الأمريكي.

خامساً: إرجاء القضايا الأخرى إلى مراحل متقدمة من المفاوضات، وبما يتيح الفرصة للطرف الإيراني لدراسة الإيجابيات التي تحققت جراء "الاتفاق الإطاري"، ورفع العقوبات بشكل يضمن للنظام القدرة على الترويج الداخلي والخارجي لقدرته على دفع الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة تحديداً، للتعامل مع المعطيات الحالية بشكل أكثر براجماتية والاعتراف بتأثير إيران على مجريات الأحداث في المنطقة بفضل سياسات النظام وقدرته على التعاطي مع الأحداث.

عقابات مستقبلية أمام "الاتفاق النهائي"

ارتباطاً بما سبق، فمن المتوقع أن يثير الاتفاق الذي تم التوصل له في "لوزان" حالة من الترقب داخل أروقة النظام الإيراني ومؤسساته، فإذا كانت الجماهير قد خرجت للاحتفال بالإنجاز الذي حققه الإصلاحيون تحت رئاسة "حسن روحاني"، إلا أن ذلك سيقابله حتماً شكل من أشكال الموازنة من جانب المحافظين والمتشددين والقيام بتظاهرات منظمة تعارض الشكل الحالي للاتفاق، خاصة وأن هذا التقدم الذي سيحسب للإصلاحيين سيؤدي لمزيد من المطالبات الداخلية ورفع مستوى الطموحات لما هو أبعد من ذلك، وهو ما سيرفع التكلفة على حساب استمرار النظام الحاكم بوضعه الحالي، خاصة وأن المرشد "خامنئى" لم يخرج - حتى الآن – برأيه، سواء بالمباركة أو الرفض، لما ورد بالاتفاق، إلا أن مسألة المعارضة أصبحت غير واقعية نظراً لسابق تأكيده على خيار المفاوضات، وبما سيربك حسابات المحافظين حال تأكيده على هذا المسار، وإن كان من المتوقع إقدامه على موازنة الموقف بمنح الحرس الثوري مزيداً من حرية الحركة خارج إيران خلال الفترة القادمة.

في مقابل ذلك، سيواجه "أوباما" حسابات أكثر تعقيداً في الأيام القادمة نظراً للضغوط المتواصلة التي يتعرض لها من جانب الجمهوريين في مجلسي الكونجرس، خاصة وأن مسألة رفع العقوبات الأمريكية عن إيران قد تستلزم التصويت عليها نظراً لكون أغلبها قد صدر من خلال الكونجرس، بل توجد إمكانية للضغط على "أوباما" من خلال طرح حزم جديدة من العقوبات ستؤدي حتماً لتدخل الرئيس لإجهاضها من خلال "فيتو" رئاسي؛ مما سيصعب من الموقف خلال المرحلة القادمة، لاسيما أن الاتفاق لا يلقى قبولاً من جانب طرفين آخرين يمثلان المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، يتمثلون في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من جانب، وإسرائيل من جانب آخر.

وعلاوة على ذلك، فإن المراحل القادمة من المفاوضات بين إيران ومجموعة (5+1) قد تشهد بعض التوترات جراء تبادل الاتهامات بعدم وفاء كل طرف بالتزاماته الواردة في "الاتفاق الإطاري"، ومما سيؤدي لتدخلات من خارج الأطراف المفاوضة لممارسة الضغوط لإفشال المفاوضات، خاصة أن إيران ستسعى خلال المرحلة القادمة لتعزيز وضعيتها التفاوضية من خلال تكريس نفوذها في المنطقة؛ وهو ما يتوقع معه الدخول في مفاوضات فرعية تتعلق بكل ملف بشكل منفصل، مما قد يفرغ الموضوع الرئيسي من مضمونه والانتقال نحو صيغة اتفاق متكامل وفقاً لما ستسعى إليه إيران لتعزيز وضعيتها الإقليمية على حساب باقي الأطراف.