تشير الهجمات التي وقعت في مدينة الأحواز واستهدفت العرض العسكري الذي نظمه الحرس الثوري والجيش الإيراني، في 22 سبتمبر 2018، بمناسبة ما يسمى بـ"أسبوع الدفاع المقدس"، إلى أن إيران تبدو مقبلة على مرحلة صعبة مفتوحة على أكثر من مسار، لا سيما في ظل تزامن هذه الهجمات مع استمرار الاحتجاجات الداخلية على تردي الأوضاع المعيشية، بسبب فشل الحكومة في احتواء المشكلات الاقتصادية المختلفة، وتزايد ضغوط العقوبات الأمريكية التي اقترب موعد تفعيل الحزمة الأقوى منها في 4 نوفمبر القادم.
وربما تمثل هذه الهجمات متغيرًا سوف يكون له تأثير على تفاعلات إيران مع القوى الإقليمية والدولية الرئيسية خلال المرحلة القادمة، في ظل حرص مسئوليها على الربط بينها وبين الضغوط التي تتعرض لها بسبب إمعانها في التدخل في الشئون الداخلية لدول المنطقة وعرقلة جهود تسوية الأزمات الإقليمية المختلفة ودعمها للتنظيمات الإرهابية.
دلالتان رئيسيتان:
تطرح هذه الهجمات، التي تعد الأعنف والأكثر قوة منذ فترة طويلة، دلالتين رئيسيتين هما:
1- خلل أمني: لا يمكن تجاهل أن تنفيذ الهجمات بهذه الطريقة يعكس خللاً أمنيًا كبيرًا، في ظل الأهمية الخاصة التي تبديها مؤسسات النظام الإيراني لهذه الاحتفالات، الخاصة ببدء الحرب مع العراق (1980-1988)، على نحو يتنافى مع المزاعم التي تروجها إيران بأنها "الدولة الأكثر استقرارًا في المنطقة التي تعاني من عدم الاستقرار على المستويين السياسي والأمني". ويبدو أن ذلك سوف يدفع السلطات الإيرانية إلى مراجعة إجراءاتها الأمنية، سواء من جانب وزارة الأمن أو من قبل الأجهزة التابعة للحرس الثوري، الذي كان الهدف الأساسي لتلك الهجمات، في ظل الدور الذي يقوم به على الساحتين الداخلية والخارجية، على نحو حوله إلى خصم لجهات عديدة في الداخل والخارج.
2- رمزية سياسية: كان لافتًا أن تلك الهجمات وقعت في مدينة الأحواز التي تقطنها القومية العربية. وبالطبع، فإن ذلك يلقي بمزيد من الأضواء على المشكلات العديدة التي تواجهها المدينة، التي تمتلك موارد طبيعية كبيرة من النفط والغاز، لكنها تتعرض للتمييز والتهميش من جانب النظام، على مختلف المستويات، وهى السياسة التي يتبعها الأخير أيضًا في المناطق والأقاليم الأخرى التي تقطنها القوميات غير الفارسية، على غرار القوميات الكردية والبلوشية والآذرية.
انعكاسات مباشرة:
سوف تفرض تلك الهجمات، التي أعلنت "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز" وتنظيم "داعش" مسئوليتهما عنها، تداعيات مباشرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، يتمثل أبرزها في:
1- تصعيد حدة المواجهات المسلحة: يبدو أن هذه الهجمات سوف تدفع الحرس الثوري إلى بدء مرحلة جديدة من المواجهات المسلحة مع الجماعات التي تنتمي للقوميات الإيرانية وتستخدم القوة في التعامل مع الإجراءات التي تتخذها السلطات في المناطق التي تقطنها. وقد كان لافتًا أن الهجمات الأخيرة جاءت بعد أيام قليلة من الهجمات الصاروخية التي شنها الحرس الثوري على مواقع تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في شمال العراق في 9 سبتمبر الجاري.
وهنا، فإن السلطات الإيرانية سوف تكون حريصة على الربط بين هذه المواجهات المحتملة وبين الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها العديد من المدن والمحافظات، في سياق سعيها إلى تقليص أهمية هذه الاحتجاجات واعتبار أنها مظاهرات تؤججها جهات داخلية تعمل لصالح قوى خارجية.
2- هجوم دبلوماسي: قد تحاول إيران استغلال الهجمات الأخيرة في الحملة الدبلوماسية التي يتوقع أن تقودها خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والتي يشارك فيها الرئيس حسن روحاني، وذلك في إطار محاولاتها مواجهة الضغوط التي تفرضها السياسات الأمريكية عليها، حيث تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدورها إلى حشد أكبر عدد من القوى الدولية المؤيدة لسياستها تجاه إيران، باعتبار أن الأخيرة تمثل مصدرًا لتهديد الاستقرار الإقليمي في المنطقة، بسبب برنامجيها النووي والصاروخي وتدخلاتها المستمرة في الشئون الداخلية لدول المنطقة ودعمها للإرهاب.
وقد بدأ الرئيس روحاني هجومه الدبلوماسي على واشنطن حتى قبل مغادرته إيران متوجهًا إلى نيويورك، حيث قال أنها لا تحترم المعاهدات الدولية واتهمها بالعمل على زعزعة الأمن وإثارة الاضطرابات في إيران، وهو الخطاب الذي يبدو أن المسئولين الإيرانيين سوف يتبنوه في نيويورك، خلال الاجتماعات التي ستعقد بين وزراء خارجية إيران ومجموعة "4+1" الخاصة بالاتفاق النووي أو اللقاءات التي سيشارك فيها الرئيس روحاني نفسه.
3- ضغوط متصاعدة: ربما تتجه إيران إلى استغلال الهجمات الأخيرة في ممارسة ضغوط جديدة على الدول الأوروبية، التي تبذل جهودًا في الوقت الحالي من أجل تعزيز فرص استمرار العمل بالاتفاق النووي. إذ قد تحاول إيران دفع تلك الدول إلى اتخاذ إجراءات أمنية تجاه المجموعات الإيرانية المعارضة الموجودة فيها كجزء من "سلة الحوافز" التي قد تؤدي إلى إبقاء إيران في الاتفاق النووي وعدم الانسحاب منه والعودة إلى تنشيط برنامجها النووي من جديد.
ومن هنا، يمكن تفسير أسباب قيام وزارة الخارجية الإيرانية باستدعاء سفيرى هولندا والدانمارك والقائم بالأعمال البريطاني، في اليوم نفسه الذي وقعت فيه الهجمات، حيث تم تقديم احتجاج للدولتين الأوليين على "إقامة بعض عناصر الزمرة الإرهابية فيهما وضلوعهم بالعملية الإرهابية التي وقعت في الأحواز"، فيما تم إبلاغ القائم بالأعمال البريطاني "أنه ليس من المقبول بأن يتم السماح للمتحدث باسم تلك الزمرة الإرهابية بأن يعلن مسئوليتها عن الحادث من خلال قناة تليفزيونية مقرها لندن" حسب تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي.
وبعبارة أخرى، فإن إيران قد تضم تصنيف تلك المجموعات باعتبارها تنظيمات إرهابية وطرد عناصرها وكوادرها من الدول الأوروبية للشروط التي سبق أن أعلنتها لمواصلة العمل بالاتفاق النووي والالتزام ببنوده المختلفة، على نحو قد يمثل محورًا جديدًا للخلافات مع الدول الأوروبية الحريصة على إفساح المجال أمام بعض مجموعات المعارضة التي نجحت في استقطاب اهتمام دولي لانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام الإيراني ضد القوميات المختلفة والنشطاء السياسيين.
4- تعزيز التدخل: لا يمكن استبعاد أن تحاول إيران استغلال الهجمات من أجل الترويج لأسباب إصرارها على تكريس وجودها العسكري داخل سوريا، باعتبار أن ذلك يدخل في إطار سياسة الدفاع المتقدم، التي تزعم من خلالها أن وجودها في سوريا يهدف إلى محاربة التنظيمات الإرهابية قبل أن تصل إلى طهران، وهى مزاعم لا تتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض التي تشير إلى أن الأدوار التي تقوم بها إيران على الساحة الإقليمية كانت أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تصاعد نشاط تلك التنظيمات.
وفي النهاية، يمكن القول إن إيران تواجه اختبارات صعبة في المرحلة الحالية، على ضوء تشابك الضغوط التي تفرضها الاحتجاجات الداخلية والتوترات الأمنية مع العقوبات الأمريكية التي بدأت تتعرض لها، وهو ما ستكون له انعكاسات داخلية لا تبدو هينة خلال الفترة القادمة، التي ربما تكون الأصعب بالنسبة للنظام الحالي.