اختتم الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الثلاثاء الماضي جولته الأفريقية التي استغرقت خمسة أيام، شملت كل من كينيا وأثيوبيا. وقد اتسمت هذه الجولة بطبيعة خاصة، إذ شهدت المرة الأولى التي يزور فيها رئيس أمريكي في الحكم إثيوبيا، كما أنها المرة الأولى التي يزور فيها الرئيس باراك أوباما كينيا عقب توليه منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن كان زارها في عام 2006 حينما كان عضواً بمجلس الشيوخ، والتقى خلالها بأفراد عائلته الممتدة في كينيا.
وكانت الزيارة أو "العودة لأرض الأجداد"، كما يفضل الكينيون تسميتها، قد تعرقلت لفترة طويلة على خلفية اتهام المحكمة الجنائية الدولية للرئيس الكيني بارتكاب جرائم ضد الإنسانية – هو ومساعده ويليام روتو- خلال أعمال العنف التي اندلعت في كينيا عقب الانتخابات التي جرت في 2007 ومطلع 2008، إلا أن ملاحقات المحكمة الجنائية الدولية كانت قد أسقطت في ديسمبر الماضي، مما مهد الطريق أمام هذه الزيارة الرئاسية.
أهمية شرق أفريقيا للولايات المتحدة
بعيداً عن هذه الاعتبارات الشخصية للرئيس أوباما، تعتبر منطقة شرق أفريقيا من المناطق الجيواستراتيجية على مستوى أفريقيا والعالم، فهي منطقة مرور تجاري عالمي بحري كبير، وتتنافس على مواردها والاستثمار فيها دول كبرى مثل الصين والهند، وهي أيضاً من المناطق غير المستقرة التي ينشط فيها الإرهاب منذ تسعينيات القرن الماضي.
في هذا الإطار اصطحب الرئيس الأمريكي معه خلال الزيارة كلاً من مستشارة الأمن القومي الأمريكية سوزان رايس، ومعاون السياسة الخارجية بن رودس، والمتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست.
وقد قام أوباما خلال الزيارة بالعديد من الأنشطة التي تضمنت إلقاء كلمة أمام القمة العالمية السادسة لريادة الأعمال 2015، والتي تتشارك الولايات المتحدة وكينيا في استضافتها، فضلا عن إحياءه لذكرى ضحايا تفجيرات السفارة الأمريكية في كينيا وتنزانيا عام 1998. كذلك أجرى محادثات ثنائية مع نظيره الكيني أوهوروا كينياتا حول أهم القضايا الأمنية والاقتصادية مثل مكافحة الإرهاب والتجارة والاستثمار وحقوق الإنسان والحريات، واختتم أوباما زيارته بحضور فاعلية نظمتها بعض منظمات المجتمع المدني في كينيا، وتمحور اللقاء حول تعليم الفتيات، وتمكين المرأة ومجابهة العنف.
وفي إثيوبيا قام أوباما بزيارة مقر الاتحاد الأفريقي في العاصمة أديس أبابا وألقى كلمة تاريخية هناك، ركزت بشكل خاص على قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية في أفريقيا، ثم اختتم جدول أعماله خلال الجولة بالمشاركة في قمة للقادة الإقليميين حول مجابهة التهديدات الإقليمية، وعلى رأسها الصراع بين شمال وجنوب السودان، فضلا عن وضع جماعة الشباب الإرهابية الصومالية وثيقة الصلة بتنظيم القاعدة.
أتت زيارة أوباما وسط إجراءات أمنية مشددة، وصاحبها العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام، فضلا عن ردود الأفعال المتناقضة، فبينما رحب البعض بهذه الخطوة، وعلى رأسهم القادة السياسيون في البلدين، كان لنشطاء حقوق الإنسان رأي آخر، إذ اعتبر هؤلاء الزيارة بمثابة موافقة واعتراف ضمني من جانب الولايات المتحدة بالانتهاكات التي تقوم بها الأنظمة السياسية في كلا البلدين في مجال حقوق الإنسان والحريات. وأبدى هؤلاء استغرابهم من إقدام الرئيس على هذه الخطوة في ظل إعراب الولايات المتحدة السابق عن قلقها إزاء أوضاع حقوق الإنسان هناك، الأمر الذي عزز مطالبهم بضرورة طرح الرئيس لهذا الملف أثناء المحادثات الثنائية التي تتخلل الزيارة، وهو ما تحقق بالفعل سواء في خطابه أمام الاتحاد الأفريقي أو غيره من الأحداث التي شهدتها الزيارة، حيث تمحور حديثه حول أهمية مكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية، وتمكين المرأة والمساواة ، وتحقيق السلم والأمن والتنمية في القارة.
وعلى الرغم من وفاء أوباما بوعوده في هذا الشأن وطرحه للموضوعات التي تتعلق بتراجع الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، لا يعتقد الكثير من الناشطين في إمكانية حدوث تحول سياسي في أثيوبيا أو كينيا على خلفية الخطاب، خاصة أن الدولتين ترتبطان بعلاقات اقتصادية وشراكات وتحالفات أمنية واسعة مع الولايات المتحدة تجعلها تغض الطرف عن الانتهاكات الحادثة وإن عبرت عن قلقها في بعض الأحيان. كما يمكن القول إن تقوية هذه العلاقات والتحالفات وما يحدث فيها من مستجدات كانت هي الدافع الرئيسي لقيام أوباما بهذه الزيارة الأفريقية.
موقع كينيا وأثيوبيا في الحرب على الإرهاب
وفقاً لما سبق، يجوز القول إن هناك دوافع رئيسية متعددة لزيارة أوباما الأفريقية الثالثة منذ توليه الرئاسة الأمريكية في عام 2008، أبرزها تعزيز العلاقات الأمريكية مع كل من كينيا وإثيوبيا عقب فترة من التوتر كانت قد سادت هذه العلاقات خاصة على الصعيد الكيني على خلفية اتهام الرئيس كينياتا بالضلوع في أعمال عنف شهدتها كينيا في وقت سابق، وذلك بهدف تعزيز جهود الدولتين في مواجهة الإرهاب بالتعاون مع واشنطن؛ إذ تعد كينيا التي تتلقى مساعدات أمريكية تقدر بنحو مليار دولار يذهب جزء منها للدعم العسكري، وجارتها إثيوبيا التي تتلقى بدورها نصف مليار دولار إضافة إلى الدعم العسكري المباشر، من أبرز الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب في أفريقيا جنوب الصحراء خصوصاً في منطقة القرن الأفريقي.
ويتضمن التحالف بين الجانبين مجموعة واسعة من الأنشطة منها على سبيل المثال لا الحصر تبادل المعلومات الاستخبارتية والعسكرية، وتدريب العناصر الأمنية في الدولتين في الولايات المتحدة، وإرسال قوات أمريكية لمعاونة القوات الإقليمية، واستقبال معدات ودعم لوجيستي من قبل الولايات المتحدة.
كما يرتبط بهذا أيضاً قيام القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (الافريكوم) ببعض العمليات في المناطق التي تسيطر عليها القوات الكينية في الصومال، إضافة إلى استضافة إثيوبيا لبعض القوات الأمريكية على أراضيها، فضلا عن وجود قاعدة أمريكية للمراقبة في المنطقة، هذا علاوة على الأنشطة الأمريكية الأخرى غير المعلنة، والتي تأتي بشكل مبهم تحت بند التعاون الأمني والعسكري.
ويضاف إلى ما سبق من أشكال التعاون العسكري والأمني بين الجانبين مبادرة حكومة الأمن التي كانت من أبرز مخرجات قمة "قادة الولايات المتحدة الأمريكية – أفريقيا" التي عقدت في عام 2014، والتي شاركت فيها كل من كينيا، وغانا، ومالي، والنيجر، ونيجيريا، وتونس، والتي تهدف لتقديم مقاربة شاملة لإصلاح وحوكمة قطاع الأمن في تلك الدول، بما يعزز من كفاءة وفاعلية هذا القطاع وتعامله مع المستجدات.
من هذا المنطلق، أكد الرئيس الأمريكي خلال الزيارة على وقوف الولايات المتحدة مع كينيا وباقي الدول الأفريقية في حربها على الإرهاب، كما تعهد بتقديم دعم ثابت لـ "نيروبي" في مواجهة جماعة الشباب الإرهابية، إضافة إلى ثنائه على الدور الإثيوبي في الوساطة لحل الصراع الدائر في جنوب السودان.
تعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة
تأمل الولايات المتحدة من خلال استمرار التعاون مع كينيا وإثيوبيا في ترسيخ وجودها ومشاركتها في الملفات الهامة في مناطق مصالحها ونفوذها وفقاً لرؤيتها الخاصة، وذلك في ضوء اقتراب الدولتين الجغرافي من مناطق النفوذ الرئيسية للولايات المتحدة مثل منطقة الشرق الأوسط المضطربة، بما تتضمنه من اليمن ودول الخليج العربية، أو منطقة القرن الأفريقي خاصة الصومال، أو منقطة البحيرات العظمي ووسط أفريقيا، أو دولة جنوب السودان، خاصة أن تلك المناطق تشهد جميعها تصاعداً متواصلاً لظاهرة الإرهاب، بما يؤثر بشكل سلبي على مصالح ونفوذ الولايات المتحدة فيها. ويؤكد على ما سبق اعتبار بعض المحللين السياسيين السفارة الأمريكية في نيروبي هي السفارة الأهم في القارة الأفريقية نظراً لقربها من منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط عموماً، ووقوعها في منطقة القرن الأفريقي بالقرب من الصومال التي تعد نقطة انطلاق الإرهاب في القارة، فضلا عن ارتباطها الجغرافي بمنطقة البحيرات العظمي ووسط أفريقيا التي تشهد صراعا يدور في الدولة الوليدة، دولة جنوب السودان أيضاً.
ولا تنبع أهمية هذه الأقاليم الثلاثة فقط من ارتباطها بالحرب على الإرهاب، بل تتعلق بشكل رئيسي بمحاولة الولايات المتحدة الاستفادة من والسيطرة على الموارد الطبيعية والثروات المعدنية مثل البترول والغاز الطبيعي والمعادن النفيسة الموجودة في هذه المناطق مثل غيرها من الدول الكبرى التي تتكالب على موارد الدول الأفريقية. وهنا تحتل إثيوبيا أهمية خاصة في هذا السياق نظراً لقدرتها على المشاركة في حفظ استقرار المنطقة في ظل قربها الجغرافي من مناطق الصراعات والحروب الأهلية في اليمن والصومال وجنوب السودان.
التنافس التجاري الدولي في أفريقيا
تواجه الولايات المتحدة منافسة شديدة من قبل القوى الإقليمية والعالمية الصاعدة، وعلى رأسها الصين، في مجال الاستثمار والتجارة في القارة الأفريقية، وتحاول بذل المزيد من الجهد لتعويض تأخرها في القارة عن طريق القيام بمشروعات متنوعة تشمل العديد من الدول مثل (باورأفريقيا)، إلا أنها مثلها مثل الصين تولي اهتماماً خاصاً بكل من إثيوبيا وكينيا اللتين تتمتعان بمعدلات نمو اقتصادي واعدة يمكن الاستفادة منها على نحو كبير.
على الصعيد الإثيوبي، تجد الولايات المتحدة نفسها في منافسة شرسة مع الصين التي أعلنت سابقاً أن إثيوبيا تمثل واحدة من المناطق الاقتصادية الستة الخاصة بها في القارة، فضلا عن أن النمو الاقتصادي الذي بلغت معدلاته نحو 10% في الفترة الأخيرة، وهو نمو مدفوع بحجم تجارة متزايد بين الصين وإثيوبيا وباستثمارات خارجية مباشرة من الصين، خاصة في مجال البنية التحتية. كما أن ثمة تقارب في وجهات النظر الصينية والإثيوبية في مجالات حقوق الإنسان، ويوجد مركز ثقافي صيني في أديس أبابا، ما يعزز من فرص ابتعاد إثيوبيا عن الولايات المتحدة والغرب عموماً.
ويعزز هذا الاتجاه نظرة سريعة على عدد الشركات المسجلة للعمل في إثيوبيا، إذ يلاحظ وجود 210 شركة أمريكية عاملة في مقابل 934 شركة صينية، و408 شركة هندية، و230 شركة تركية؛ وهو ما يعني تأخر الاستثمارات الأمريكية الخارجية المباشرة مقارنة بغيرها من الدول في إثيوبيا، الأمر الذي لا يتناسب مع حجم المصالح الأمريكية الاقتصادية والأمنية هناك.
أما فيما يتعلق بكينيا، فلدى الرئيس الأمريكي اهتمام خاص بتعزيز التعاون الأمريكي ـ الكيني في مجالات ريادة الأعمال والاستثمار، خاصة في قطاعات الاتصالات والقطاع المصرفي والبنكي، والتي تعد قطاعات واعدة في الاقتصاد الكيني.
ولهذا، أعلن أوباما خلال قمة ريادة الأعمال اتجاه الولايات المتحدة لدعم هذه القطاعات خاصة في أفريقيا بنحو مليار دولار، وذلك من خلال المؤسسات الأمريكية المختلفة، سواء منظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة والمؤسسات الحكومية.
وتزامن هذا أيضاً مع حديث مستشارة الأمن القومي الأمريكي حول تقديم الولايات المتحدة الدعم الكامل للمشروع العملاق باورأفريقيا، الذي تأسس في عام 2013 خلال القمة الأفريقية ـ الأمريكية التي شاركت كينيا فيها. ويهدف هذا المشروع إلى تحسين الوصول للكهرباء والطاقة في دول أفريقيا جنوب الصحراء كواحد من أهم المشروعات التحويلية لتحسين جودة الحياة هناك، وذلك لأن تكلفة الحصول على الطاقة تعد عائقاً رئيسياً أمام العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، فضلا عن كبار المستثمرين في كينيا. وعليه فإن توافر مصدر الطاقة الرخيصة هو أمر بالغ الأهمية لجميع القطاعات بما في ذلك الأعمال التجارية، والنقل، والسياحة، والتعليم، والصحة، والزراعة، وقطاعات الصناعات التحويلية الخفيفة أيضاً. ويبلغ حجم تمويل هذا المشروع حوالي 7 مليار دولار، وتقوم بتنفيذه هيئة التنمية الدولية الأمريكية بالتنسيق مع كينيا ودول أخرى.