تمكنت حكومة جنوب السودان من زيادة إنتاج النفط خلال الأشهر الماضية، وذلك في أعقاب توقيع اتفاق السلام بين الحكومة والمتمردين في 13 سبتمبر 2018. ورغم ذلك مازالت صناعة النفط في جنوب السودان تواجه تحديات عديدة كان آخرها التطورات التي جرت على الساحة السياسية في جارتها السودان، والتي تسببت في توقف مؤقت لصادرات النفط وعرقلت إمكانية حصولها على المستلزمات الخاصة بعمليات حفر الآبار. كما يأتي تأجيل تشكيل حكومة وحدة وطنية بين طرفى الصراع ليثير مخاوف محتملة من انهيار الأوضاع الأمنية، الأمر الذي قد يفرض تداعيات سلبية على عمليات تشغيل القطاع.
تعافي محدود:
شهد إنتاج النفط في جنوب السودان تحسنًا تدريجيًا منذ توقيع اتفاق السلام بين رئيس جنوب السودان سيلفاكير وقائد التمرد نائبه السابق رياك مشار في 13 سبتمبر 2018، حيث تمكنت الحكومة من إعادة تشغيل ثلاثة حقول كانت قد توقفت بسبب الحرب الأهلية المستمرة منذ 5 أعوام، وهى "النار"، و"الوحدة"، و"توما ساوث"، ليزيد الإنتاج في نهاية المطاف إلى 175 ألف برميل يوميًا حاليًا.
كما تخطط الحكومة لاستئناف الإنتاج من حقلى "الطور" و"مانجا" قبل نهاية العام الجاري، الأمر الذي قد يدفع الإنتاج لمستوى 200 ألف برميل يوميًا.
فضلاً عن ذلك، تتطلع جنوب السودان في غضون الأعوام الخمسة المقبلة إلى مضاعفة الإنتاج إلى ما بين 300 و400 ألف برميل يوميًا مع تشغيل باقي الحقول المتوقفة بالتوازي مع تشغيل حقول أخرى جديدة، بيد أن تحقيق هذا الهدف يتطلب استثمارات أجنبية واسعة من أجل تكثيف عمليات الاكتشاف والتنقيب عن النفط في مناطق جديدة.
وعلى هذا النحو، تعتزم وزارة النفط في جنوب السودان طرح ما يصل إلى ثماني كتل نفطية أمام شركات النفط العالمية للتنقيب عن الهيدروكربونات في الفترة المقبلة من أجل زيادة الإنتاج. وبالفعل، وقعت جنوب السودان اتفاقًا مبدئيًا مع شركة "زاروبيج نفط" الروسية لاستكشاف بعض النفط في كتل (B1، E1، E2) في نوفمبر الماضي. كما وقعت في 6 مايو الجاري اتفاقية مع جنوب أفريقيا لتقاسم إنتاج لكتلة B2، وذلك بعد أن تعهدت الأخيرة باستثمار مليار دولار في جنوب السودان.
وستتعاون إثيوبيا مع جنوب السودان في بناء خطوط أنابيب ومصفاة جديدة على طول الحدود لتزويدها بالمشتقات النفطية، علمًا بأن البلاد قد تحتاج إلى استثمارات تتراوح ما بين 1.5 و1.6 مليار دولار لتشغيل مصفاة بطاقة 80 ألف برميل يوميًا لتلبية احتياجات السوق المحلية والتصدير للخارج.
تهديدات مستمرة:
تعرض قطاع النفط مؤخرًا في جنوب السودان لجملة من التهديدات المستمرة. إذ أدت التطورات السياسية الأخيرة التي شهدتها السودان إلى توقف صادرات جنوب السودان من النفط مع تصاعد حدة الإضرابات والاحتجاجات العمالية في بورتسودان في نهاية إبريل الفائت، كما لم تتمكن جوبا من الحصول على مستلزمات حفر الآبار التي تستوردها في العادة عبر الميناء. ومن المعلوم أن هذا الميناء يمثل مركز شحن النفط الرئيسي لجنوب السودان.
وسبق أن توترت العلاقات بين السودان وجنوب السودان في الأعوام الماضية بسبب الخلافات التي نشبت بينهما بشأن رسوم عبور الصادرات بعد انخفاض أسعار النفط في عام 2014، حيث تفرض الخرطوم رسومًا على جوبا تقدر بـ24.1 دولارًا لتصدير إنتاجها النفطي عبر الموانئ السودانية الواقعة شرق البلاد عن كل برميل، وهو ما دفع الطرفين للاتفاق في عام 2016 على إعفاء جوبا من الرسوم حال وصول سعر البرميل إلى ما دون الـ20 دولار.
ولا يبدو أنه من مصلحة أى طرف أن يتوقف تدفق النفط لجنوب السودان، حيث تحصل السودان على رسوم بالدولار من نقل النفط، فيما يمثل الأخير سلعة التصدير الأساسية للجنوب، وعليه فقد تعهد الطرفان بحل مشكلات النفط والمعابر في أقرب وقت، وذلك بحسب نتائج اجتماع وزير النفط في جنوب السودان إزيكيل لول جاتكوت مع أعضاء المجلس العسكري الانتقالي في السودان. وفي هذا الصدد، قال لول جاتكوت أن نفط البلاد عاد ليتدفق بسلاسة، مشيرًا إلى تسوية المشكلات المتعلقة باستيراد الكيماويات اللازمة للحفر.
إلى جانب ذلك، فإن هشاشة الأوضاع الأمنية والسياسية، لا سيما مع اتفاق طرفى الصراع في جنوب السودان على تمديد فترة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ستة أشهر، الأمر الذي أرجعته الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق إفريقيا (إيجاد) إلى غياب الإرادة السياسية لدى الطرفين، يفرض بدوره تحديات لا تبدو هينة.
ومعنى ذلك، أنه لا تزال هناك احتمالات قائمة لاندلاع اشتباكات بين طرفى الصراع مرة أخرى في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك ولايتى شمال الوحدة وأعالي النيل، حيث توجد معظم احتياطيات البلاد من النفط، الأمر الذي قد يقلص من احتمالات اتجاه الشركات نحو ضخ استثمارات في البلاد، وهو ما يبدو أنه فرض على كثير من الشركات أن تبرم مذكرات تفاهم ونوايا مع حكومة جنوب السودان دون الانخراط فعليًا في الاستثمار داخل البلاد.
وبناءً عليه، يبدو أن الحكومة في جنوب السودان سوف تتجه خلال الفترة المقبلة إلى تبني آليتين: الأولى، مواصلة إجراء مباحثات مع الخرطوم لضمان استمرار تدفقات صادرات النفط بجانب الاتفاق بشأن رسوم نقل النفط بصرف النظر عن خططها السابقة لإنشاء خط أنابيب ينقل نفطها إلى كينيا أو جيبوتي.
والثانية، الالتزام بالاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية بعد ستة أشهر من أجل تهيئة المناخ السياسي والأمني اللازم لجذب الاستثمارات الأجنبية لدعم القطاع النفطي.
وختامًا، يمكن القول إن قطاع النفط في جنوب السودان يستعيد عافيته تدريجيًا، إلا أنه قد يتعرض لتهديدات أمنية وسياسية واسعة ربما تعرقل تقدمه وزيادة إنتاجه في الأشهر المقبلة.