أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تعويم محسوب:

"الاستيعاب المتبادل" بين السلطة وإخوان الأردن بعد الانتخابات

26 سبتمبر، 2016


بعد مقاطعة دامت تسع سنوات عادت جماعة الإخوان وخاضت الانتخابات النيابية في الأردن التي أُجريت في 20 سبتمبر الجاري، لتخرج بحصاد قليل من المقاعد، وأمل كبير في "تعويم" نفسها، لاسيما بعد أن تدثرت بغطاء مدني متنوع، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان ما كانت تفعله "الجماعة الأم" في مصر، والتي ظلت ثلاثين عاماً، هي طيلة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، تبذل كل ما في وسعها بغية تحصيل موطئ قدم على أرضية الشرعية السياسية والقانونية في البلاد، سواء منفردة، أو بالتحالف مع أحزاب سياسية مدنية.

حصاد الإخوان

حصد "تحالف الإخوان" في الأردن 15 مقعداً في هذه الانتخابات، وهي سادس انتخابات تعددية تجرى في المملكة منذ أن بدأ الملك حسين عملية التحول إلى النظام الديمقراطي في عام 1989 إثر تظاهرات حاشدة احتجاجاً على ارتفاع الأسعار، بما أعاد الحكومة البرلمانية بعد عقود من الحكم الملكي المنفرد. وقد تنافس في  الانتخابات الأخيرة 1252 مرشحاً على 130 مقعداً، منها 24 للنساء والأقليات، وعلى أصوات 4.2 مليون شخص لهم حق التصويت، بينما لم تتجاوز نسبة الحضور الفعلية نحو 37%.

وما حصل عليه الإخوان، الذين تزعم حزبهم "جبهة العمل الإسلامي" كتلة انتخابية حملت اسم "التحالف الوطني للإصلاح" بدا مفاجئاً في نظر البعض، وعادياً في نظر آخرين، لاسيما في ضوء قانون الانتخابات الجديد الذي تم سنَّه في مايو الماضي بعد مشاورات مغلقة، وأقر نظام "القائمة النسبية المفتوحة" وألغى "المقاعد الفردية"،  وأبقى تقسيماً للمقاعد يُحابي المناطق الريفية والقبلية التي تمثل أساس الدعم للأسرة الملكية الحاكمة على حساب المدن، التي يغلب عليها الفلسطينيون، وهي مُسيسة بدرجة عالية، وفيها معاقل الإخوان وغيرهم من أتباع "الإسلام السياسي".

وقد عزز ترتيب الدوائر الانتخابية فرص المرشحين الموالين للحكومة، حيث إن فوزهم تطلب الحصول على أعداد من الأصوات أقل كثيراً في الدوائر الفرعية التي تم تقسيمها أخيراً.

عشر ملحوظات

هناك عشر ملحوظات على موقف ومسار وحصاد الإخوان في هذه الانتخابات، يمكن ذكرها على النحو التالي:

1- خاض الإخوان هذه الانتخابات ضمن كتلة تضم الأقليات مثل الشيشان والشركس والمسيحيين وعشر نساء ضمن الحصة المخصصة للمرأة، وترشحوا على 19 قائمة انتخابية. وبينما كانت قاعدة الصوت الواحد، في الماضي، تمنع مرشحي الإخوان من التحالف مع آخرين، فإن النظام الانتخابي الحالي القائم على "الصوت المتعدد" مكَّنهم من مفاجأة الجميع بتحالفات مغايرة تماماً، حيث شاركهم أربعة مرشحين مسيحيين على الأقل عن مقاعد المسيحيين، واثنان على المقعدين الشيشاني والشركسي. وبعض المرشحين من هذه الأقليات تفوق في عدد الأصوات على مرشحين من الإخوان في بعض الدوائر.

2 - لم يرفع الإخوان شعارهم التاريخي "الإسلام هو الحل"، في محاولة لجذب قطاعات اجتماعية باتت متخوفة بشدة من ممارسات التيار الديني في مجال السياسة، ولمغازلة الدول الغربية، التي تحض على استيعاب "الإسلاميين" تحت طائلة الشرعية السياسية، والمشروعية القانونية.

3- حرص الإخوان على تركيز مرشحين أقوياء لهم في بعض القوائم ليضمنوا مقعداً على الأقل، مثلما رشحوا القياديين البارزين في الدائرة الأولى في مدينة الزرقاء سعود أبو محفوظ وجعفر الحوراني. وقد تكرر الترتيب نفسه في مدينة إربد ومحافظة البلقاء شمال الأردن.

4- في واقعة استثنائية، خاض على مقاعد "تحالف الإصلاح" الذي يقوده الإخوان، ثلاثة من كبار العسكريين المتقاعدين.

5- غابت الرموز التاريخية للإخوان عن قوائم الترشيح، فيما تم إرضاء تيار الصقور بترشيح بعض رموزه، في محاولة من الجماعة لتوظيف الانتخابات في صناعة تماسك داخلي، تبدو في حاجة ماسة إليه، في ضوء الأزمات التي مرت بها في السنوات الثلاث الأخيرة.

6- تعاملت السلطة مع خوض الإخوان غمار الانتخابات على أنه فرصة لإثبات أن الأردن قادر على الوجود في واجهة الاعتدال" حسب تصريح الملكة رانيا، فيما تعامل الإخوان مع الانتخابات على أنها فرصة لتعويم أنفسهم، والتقليل من حالة الاستهجان والامتعاض التي تسود الشارع وأوساطاً سياسية وثقافية واقتصادية أردنية من أن تشهد بلادهم تكرار تجربة الإخوان المريرة في الصراع على السلطة.

7- ظهر في هذه الانتخابات تحد جديد لجماعة الإخوان، وتيار الإسلام السياسي عموماً في الأردن، يتمثل في تيار مدني وليد يقوده المهندس خالد رمضان، إلى جانب التحدي الأكثر رسوخاً، الذي يشكله الثقل العشائري والمناطقي، الذي طالما يطغى على الحصة الأكبر في البرلمان الأردني.

8- لايزال الإخوان هم القوة الدينية الأكثر حضوراً على الساحة السياسية الأردنية، على الرغم من مقاطعتهم الانتخابات عموماً لتسع سنوات، والظرف القاسي الذي تمر به الجماعة الأم بعد أن سقطت عن الحكم في مصر. فنصيب القوى المنافسة المنشقة عن جماعة الإخوان من مقاعد البرلمان لم يتجاوز عدد أصابع اليد، أغلبها ذهب إلى حزب الوسط الإسلامي الذي تصدر مرشحوه القوائم الوطنية في الانتخابات السابقة، وحزب المؤتمر الوطني "زمزم" الذي حصل على الترخيص قبيل موعد الانتخابات بأيام قليلة.

9- أظهرت نتائج هذه الانتخابات ضعف الحياة الحزبية في الأردن، حيث حصد مرشحو الأحزاب 27 مقعداً من أصل 216 ترشحوا للانتخابات، من بينهم 10 من حزب جبهة العمل الإسلامي. ومع الرقم المتواضع نسبياً الذي حققته "الأحزاب الإسلامية"، فقد غاب تمثيل الأحزاب القومية اليسارية عن البرلمان باستثناء فائز وحيد عن حزب البعث العربي التقدمي المقرب من سوريا.

10- على الرغم من خوض الإخوان الانتخابات الأردنية على رأس تحالف، فإنهم لم يتنازلوا عن رأيهم في أن الانتخابات بلا فائدة بعد أن أدت سياسات الحكومات المتعاقبة إلى تهشيم البرلمان وتهميشه، علاوة على انتقادهم للنظام الانتخابي، حيث وصفوه بأنه غير تمثيلي ويقسم المناطق الانتخابية بطريقة ترمي الى تضييق الخناق عليهم، وتقليل تأثير شعبيتهم. كما يحتجون على ما يصفونه بتآكل للمكاسب الديمقراطية التي تحققت منذ عام 1989 وفرض قيود على الحقوق المدنية، وتشديد الخناق على المعارضة لاسيما خلال السنوات الأخيرة.

تقييم نتائج الإخوان

في ضوء هذه الملحوظات بدا أن جماعة الإخوان لم تخرج على قواعد اللعبة في الأردن، إذ لم تشأ أن توسع من عملية الترشح في دوائر أكثر، وغطت نفسها بغطاء مختلف من خلال التحالف مع الأقليات، مُستعيدة الحيل التاريخية التي يلعبها التنظيم عموماً حين رفع شعارات من قبيل "مشاركة لا مغالبة" و"نريد أن نُحكم بالإسلام لا نَحكم بالإسلام" والتي ثبت زيفها عقب ثورة 25 يناير في مصر. وقد تصرف إخوان الأردن على أنهم لا يزالون في "مرحلة الصبر" التي تتطلب منهم التقدم بخطى وئيدة محسوبة في الحياة السياسية.

على الجهة المقابلة، فإن السلطة في المملكة الأردنية بدت حريصة على استيعاب الإخوان تحت عباءة الشرعية السياسية، مُدركة أن وجود بعض منهم في البرلمان أفضل من بقائهم قوة محجوبة في الشارع، تعمل بشكل سري، وربما تهدد أمن دولة على مرمى حجر من تنظيم غاية في التطرف والإرهاب وهو "داعش" الذي سبق أن هدد الأردن، فيما ينخرط أردنيون في صفوف مقاتليه في سوريا والعراق.

وفي ضوء هذه الملحوظات أيضاً تضاربت، بل تناقضت، الآراء حول ما خرج به الإخوان من هذه الانتخابات، فالإخوان أنفسهم يعتبرون ما حصدوه جيداً في ظل الظروف التي يمرون بها من جهة، وما رتبه قانون الانتخابات الحالي من جهة ثانية، وأنهم سيحاولون التعويض بالسعي إلى تشكيل كتلة كبيرة ومتمكنة في البرلمان والتعاون والتنسيق مع بقية الكتل. وقد وصف القيادي الإخواني المهندس علي أبو السكر ما حققه التحالف بأنه إنجاز في ظل تراجع الثقة العامة بالمجالس النيابية.

ومن خارج الإخوان، بينما نجد أن هناك من اعتبروا أن وجود الجماعة في البرلمان مفيد، لأن غيابها ربما يسدد ضربة للإصلاحات السياسية في الأردن، ويعني أن البرلمان القادم سيكون منتدى رتيباً وراكداً وموالياً للحكومة، نجد على النقيض من اعتبر أن الإخوان سقطوا سقوطاً مدوياً، وظهرت شعبيتهم المتدنية، وبدت الآثار السلبية لسلسلة الانقسامات التي شهدتها الجماعة، حيث تقوفت أسماء يسارية وقومية وشركسية ومسيحية وشيشانية على أخرى محسوبة على الإخوان داخل "تحالف الإصلاح" نفسه.

وبغض النظر عن تباين التقييم بين من يرون أن ما حصده الإخوان جيد نسبياً، وأولئك الذين يتحدثون عن سقوطهم المروع، فإن نتيجة هذه الانتخابات تعيد هندسة العلاقة بين السلطة الحاكمة وجماعة الإخوان في المملكة الأردنية، إلى حين.

فالسلطة ستتعامل مع الإخوان بوصفهم مندرجين تحت طائلة الشرعية السياسية التي منحها إياهم مواطنون أردنيون، ولابد من أن تأخذ في الحسبان أنهم ممثلون في البرلمان، وأن مصالحة جزئية أو خفضاً محسوباً لمستوى المواجهة قد بات مطلوباً، دون أن تذهب بعيداً في نسيان الخطر الذي يمثلونه في المستقبل، بوصفهم جزءاً من مشروع للتنظيم الدولي للإخوان، ونظراً لقدرتهم العجيبة على التقلب وتغيير التكيكات في سرعة خاطفة، وعملهم الحثيث على التغلغل في أعماق المجتمع، مع العمل الجاد سراً على تقويض شرعية وجود السلطة الحالية. وبالتالي فإن ما جرى للإخوان في الأردن هو "تعويم محسوب"، سواء من قبلهم، أو بواسطة السلطة الحاكمة.