أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تعاون أمني:

رسائل زيارة وزير الدفاع العراقي لواشنطن

17 أغسطس، 2023


أجرى وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي، خلال يومي 7 و8 أغسطس 2023، زيارة إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، تلبية لدعوة رسمية من وزارة الدفاع الأمريكية، على رأس وفد عسكري رفيع ضمّ قائد جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الأول الركن عبدالوهاب الساعدي ورئيس أركان الجيش الفريق أول الركن عبدالأمير رشيد يار الله، ونائب قائد العمليات المشتركة الفريق الأول الركن قيس المحمداوي وعدداً من المستشارين والضباط.

وقد التقى الوفد العراقي بوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان وممثلي الولايات المتحدة من هيئة الأركان المشتركة، ووكالة التعاون الأمني الدفاعي، والقيادة المركزية الأمريكية، ووزارة الخارجية. وقد ناقش الجانبان جملة من القضايا المُشتركة كان في مقدمتها ملف التعاون الأمني الثنائي بين العراق والولايات المتحدة.

مصالح مُشتركة:

جاءت زيارة الوفد العراقي الأخيرة إلى واشنطن، في إطار سلسلة اللقاءات والزيارات التي جمعت بين المسؤولين الأمريكيين والعراقيين خلال الفترة الأخيرة، والتي كان من بينها زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن للعراق خلال شهر مارس 2023، ومن ثم يمكن الإشارة إلى أبرز الأبعاد التي تناولتها الزيارة: 

1. تشكيل لجنة عسكرية عليا: اتفق الطرفان الأمريكي والعراقي، خلال الزيارة، على تشكيل لجنة عسكرية عليا، لتقييم العملية المستقبلية لمهمة التحالف في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، من خلال تحديد كيفية تطور المهمة وفقاً لجدول زمني يرتبط بعوامل التهديد من قبل تنظيم داعش، ومستويات وقدرة قوى الأمن الداخلي، وكذلك فرص توسيع مشاركة العراق في التدريبات العسكرية التي تقودها القيادة المركزية الأمريكية. 

كما تأتي تلك الزيارة، والتي تُعد الأرفع التي يقوم بها مسؤولون عراقيون للولايات المتحدة منذ تشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني في أكتوبر 2022، لتؤكد رغبة الجانبين في تعزيز التعاون الأمني والدفاعي بينهما، إذ أشار البيان الختامي للاجتماع إلى الالتزام المشترك لواشنطن وبغداد بمواصلة التعاون العسكري الثنائي في جميع المجالات، وخصوصاً مكافحة تنظيم داعش والعمل على منع عودة نشاطه، وكذلك شدد الطرفان على التزامهما بتطوير قدرات العراق الأمنية والدفاعية، وتدريب القوات العسكرية العراقية. وفي هذا السياق، فقد أكدّت نائبة مساعد وزير الدفاع الأمريكي للشرق الأوسط دانا سترول، قبل اجتماع العباسي وأوستن في واشنطن، أن بلادها مهتمة بإقامة علاقة دفاعية دائمة مع العراق ضمن شراكة استراتيجية لسنوات عديدة مقبلة.

2. تأكيد مخرجات الحوار الاستراتيجي: أكدّت الزيارة اتفاق العراق والولايات المتحدة على مخرجات الحوار الاستراتيجي، الذي عُقِدَ بينهما في يوليو 2021، والذي يقضي بانسحاب القوات الأمريكية القتالية من العراق واستمرار حوالي 2500 جندي، لتكون مهمتهم الرئيسية تقديم المشورة والمساعدة لقوات الأمن العراقية لمكافحة ما تبقى من تنظيم داعش. وفي هذا السياق، فقد أشار البيان الصادر عن الاجتماع الأمريكي العراقي الأخير، إلى تأكيد أن وجود القوات الأمريكية في العراق، هو بدعوة من الحكومة العراقية فقط لدعم قوات الأمن العراقية في حربها ضد داعش، مشدداً على دعم واشنطن لسيادة العراق وأمنه. وقد صرّح العباسي، على هامش الزيارة، أن هذا الاجتماع يمهد لاجتماع قمة سيعقد بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، خلال الفترة المقبلة.

وجدير بالذكر، أن تقارير أمريكية أشارت إلى نجاح القوات العراقية خلال الفترة الماضية في إضعاف تنظيم داعش، إذ نوهت بتراجع هجماته في العراق بنسبة 64% خلال العام 2023، ومن ثمّ فإن خطورة التنظيم صارت أقل مقارنة بالفترات السابقة، إلا أن ذلك لا ينفي إمكانية عودة التنظيم مرة أخرى، وفق رؤية واشنطن، وما يحمله ذلك من تداعيات ليست فقط على الداخل العراقي بل في المنطقة، ولاسيما مع  وجود عدة مجالات في العراق لا تزال تحتاج إلى تقوية مثل استخدام الطائرات المسيرة وطائرات المراقبة، حتى تتمكن القوات العراقية من التعامل مع المخاوف الأمنية سواءً المتعلقة بتنظيم داعش ومكافحة الإرهاب أم غيرها، الأمر الذي يؤشر إلى استمرار الشراكة الدفاعية الاستراتيجية بين الجانبين خلال الفترة المقبلة.

3. تطمينات بعدم التصعيد ضد القوات الأمريكية: على الرغم من تراجع حدّة الهجمات في العراق ضد السفارة الأمريكية والمطار والقواعد العسكرية الأمريكية منذ تشكيل الحكومة العراقية الحالية برئاسة محمد شيّاع السوداني، فإن الزيارة المُشار إليها جاءت من أجل تأكيد التزام العراق بحماية الأفراد والمستشارين الأمريكيين وقوات التحالف الدولي، ولاسيما مع وجود تحذيرات أمريكية بإمكانية إصدار الولايات المتحدة عقوبات جديدة بحق بعض قادة الفصائل العراقية أو المقربين منهم.

وتأكيداً لذلك، فقد طالبت السفيرة الأمريكية في العراق ألينا رومانوسكي، خلال اجتماعها مع السوداني، في 13 أغسطس 2023، بضرورة انسحاب فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران من محافظتي الأنبار ونينوى غرب وشمال بغداد خلال الفترة المقبلة؛ لضمان عدم تعرضها لضربات عسكرية أمريكية، في ضوء تمهيد واشنطن لإقامة منطقة عازلة تمتد من جنوب سوريا في درعا إلى بادية الشام ودير الزور والرقة شرقي سوريا، وصولاً إلى الحسكة والقامشلي في الشمال الشرقي لسوريا، كما أشارت مصادر إلى أن هذا الطلب قد أُبلِغَ به أيضاً الوفد العسكري العراقي خلال مباحثاته في واشنطن. 

انعكاسات مُحتملة: 

ثمّة تداعيات قد تُسفر عنها زيارة وزير الدفاع العراقي إلى واشنطن، سواءً على التطورات داخل العراق أم الأوضاع الإقليمية، ويمكن استعراض أبرزها على النحو التالي:

1. تكثيف الوجود الأمريكي على الحدود العراقية السورية: قد تشهد الفترة القليلة المقبلة، تزايداً في أعداد القوات الأمريكية في منطقة الحدود المشتركة بين العراق وسوريا، حيث تنتشر في تلك المنطقة بعض الفصائل العراقية على الجانب السوري، ولاسيما تلك الفصائل التي لم تلتزم باتفاق التهدئة والذي يقضي بعدم استهداف المصالح والقوات الأمريكية في العراق، ومنها حركة النجباء، وهي إحدى الفصائل المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي بالعراق، والتي توجد في شمال شرقي سوريا، وقد تم اتهامها بالمسؤولية عن هجمات ضد مواقع أمريكية في هذه المنطقة، علاوة على وجود جماعات مسلحة أخرى مثل "الوارثين"، و"الغالبون"، فضلاً عن وجود بعض القيادات في تلك المنطقة والمرتبطة ببعض الفصائل العراقية. 

وقد أكدت بعض القوى السياسية العراقية وجود تحركات عسكرية للقوات الأمريكية في هذه المنطقة، ومنهم القيادي في تحالف الأنبار الموحد عبدالله أحمد الجغيفي الذي أشار إلى تحرك القوات الأمريكية من مواقع ارتكازها في منفذ التنف القريب من قضاء الرطبة غربي الأنبار باتجاه مناطق قريبة من منفذ القائم الحدودي مع سوريا غربي الأنبار، وأن هذا الأمر مستمر منذ نحو أسبوعين، في 6 مناطق سورية تبعد من 20 إلى 50 كيلومتراً عن الحدود العراقية.

2. تزايد الضغوط على فصائل الحشد الشعبي: قد تشهد الفترة المقبلة تزايد الضغوط على بعض فصائل الحشد الشعبي ولاسيما تلك القريبة من إيران بهدف تحييد تلك الفصائل ومنعها من استهداف القوات الأمريكية، إلا أن الهدف الرئيسي من وراء تلك الضغوط هو تقييد النفوذ الإيراني ومحاصرته في الداخل العراقي، وهو ما يبرر انزعاج بعض الفصائل من زيارة الوفد العراقي العسكري الأخيرة إلى الولايات المتحدة، مُشيرة إلى أن ذلك قد يفتح المجال لإطالة أمد الوجود الأمريكي في العراق، وهو ما يثير غضب تلك لفصائل، والتي تطالب بتسريع عملية إجلاء تلك القوات من العراق، ويُدلل على ذلك تصريح المتحدث باسم كتائب سيد الشهداء كاظم الفرطوسي، الذي قلل فيه من أهمية الزيارة، مشيراً إلى إنها لم تأت بجديد، بل كرست الوجود الأمريكي بصورة أو بأخرى في العراق. ورغم تحفظ واعتراض بعض فصائل الحشد الشعبي على استمرار الوجود الأمريكي في العراق، فإنه من غير المرجح أن تقدم تلك الفصائل على القيام بعمليات عسكرية ضد القوات والمصالح الأمريكية في المدى المنظور، ولاسيما مع وجود تحذيرات أمريكية جادّة في هذا الخصوص.

3. تصاعد هجمات تنظيم داعش في المنطقة: في ضوء إمكانية تزايد الوجود العسكري الأمريكي خلال الفترة المقبلة، فإنه من الممكن أن يُسفر ذلك عن تزايد أنشطة تنظيم داعش الإرهابي، ولاسيما في الداخل السوري، وهو ما تجلى في استهداف التنظيم لحافلة كانت تنقل جنوداً تابعين للجيش السوري، في مدينة الميادين بمحافظة دير الزور بشرق سوريا، أودى بحياة نحو 30 شخصاً، علاوة على استهداف ضريح شاه جراغ، وهو مزار ديني في مدينة شيراز بمحافظة فارس الإيرانية، وقد أسفر الحادث عن مقتل شخص وإصابة نحو 8 آخرين، في هجوم وجهت طهران أصابع الاتهام فيه إلى تنظيم داعش. وتُدلل تلك الحوادث وغيرها على إمكانية أن تشهد الفترة المقبلة عودة ظهور التنظيم في المنطقة.

وفي التقدير، يمكن القول إن زيارة وزير الدفاع العراقي لواشنطن تأتي لتأكيد رغبة الجانبين في توسيع نطاق الشراكة العسكرية والأمنية بينهما، والتي تتركز بصورة رئيسية في مواجهة تنظيم داعش، وكذلك بناء قدرات المؤسسات الأمنية والعسكرية العراقية، وهو ما يأتي في ضوء محاولات واشنطن تأكيد عدم تراجع اهتمامها بالمنطقة، والتزامها بمساعدة حلفائها في الدفاع عن أمنهم، خاصة في الوقت الذي تتزايد فيه مؤشرات تراجع انخراط الولايات المتحدة في المنطقة. كما تُقرأ الزيارة في إطار محاولات بغداد وحكومة السوداني العمل على تقييد النفوذ الإيراني في العراق، الأمر الذي يصب في صالح استقرار العراق وعلاقاته بمحيطه العربي.