أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

حالة الإقليم:

المُستقبل يُصدر العدد الثالث من التقرير الاستراتيجي السنوي

12 أبريل، 2021


تُهيمن على توقعات عام 2021 ملامح حالة إقليمية تحكمها العديد من التحولات الكبرى وثيقة الصلة بالاضطرابات التي شهدها العالم على أثر جائحة كورونا، وما ترتب عليها من حالة من الغموض وعدم اليقين حول المستقبل، خاصةً ما يرتبط بالارتدادات الصحية والاقتصادية والمجتمعية ومسارات التعافي والارتداد للوضع الطبيعي والانعكاسات المُعقدة على التفاعلات الإقليمية. 

تعقيدات التعافي وعالم ما بعد ترامب 

وسعت العديد من الدول العربية لتبني عدة استراتيجيات للحصول على لقاحات كورونا لتحقيق التعافي الاقتصادي، غير أنها لاتزال تواجه تحديات أبرزها السلالات الجديدة المتحورة، التي تشكك في فاعلية بعض اللقاحات، بالإضافة إلى تعقيدات عمليات الإنتاج والتوزيع، واحتدام حروب اللقاح بين الغرب وروسيا. 

ويتوقع أن تشهد السياسة الخارجية الأمريكية في الإقليم إعادة هيكلة في عهد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عبر الاعتماد على الدبلوماسية وتقليل الانخراط العسكري ومساعي العودة للاتفاق النووي مع إيران والتركيز على قضايا الديمقراطية. 

عسكرة الدور الروسي و"سيادة" أوروبا

أما روسيا فتستمر في توطيد انخراطها العسكري في منطقة الشرق الأوسط. فخلال عام 2020، قام الجيش الروسي بتعزيز وجوده العسكري في سوريا، إلى جانب التمدد في ليبيا، عبر الشركات العسكرية الخاصة مثل فاجنر، كما سعت موسكو لتعزيز تعاونها العسكري مع السودان.

 وتشهد السياسة الصينية تجاه الشرق الأوسط اختلافاً واضحاً ارتباطاً بتحول بكين لقوى عظمى تسعى للعب دور متزايد في أقاليم العالم المختلفة. فقد زادت الصين انخراطها الاقتصادي مع دول الشرق الأوسط، ووظفت اللقاحات للتعاون مع بعض دول المنطقة في إنتاجها، ومع ذلك، فإن توقيع الصين اتفاق الشراكة مع إيران، وممارسة واشنطن ضغوطاً على بعض دول المنطقة لعدم إقامة شبكات الجيل الخامس بالتعاون مع بكين ينذر بتحولات عميقة في سياسة الصين.

ويواصل الاتحاد الأوروبي مساعيه لتحقيق "السيادة الاستراتيجية" لكي يتمكن من الدفاع عن مصالحه بصورة مستقلة عن المظلة الأمريكية، خاصة في ظل اتجاه واشنطن لتقليص انتشارها العسكري في بعض المناطق ذات الأهمية الحيوية للاتحاد على غرار منطقة الساحل الأفريقي، وإن كانت التحديات التي تواجه المساعي الأوروبية لاتزال قوية، ويتمثل أبرزها في استنزاف الاتحاد جانباً كبيراً من موارده وجهوده للتخلص من تداعيات جائحة كورونا.

تراجع الاستقطاب والتسويات الجزئية

وعلى مستوى التفاعلات الإقليمية، تشهد المنطقة تراجعاً نسبياً في حدة الاستقطاب بين التحالفات الإقليمية الرئيسية في المنطقة، خاصة بين تحالف الرباعية العربية، والتحالف القطري – التركي وتحالف إيران ووكلائها المسلحين. 

وتشهد الصراعات المسلحة في الإقليم جموداً سياسياً وعسكرياً مع ثبات مناطق السيطرة وتراجع خيارات الحسم العسكري وتعثر التسوية السلمية. وتهيمن أنماط "التسوية الجزئية" على التفاعلات بين الفرقاء المتصارعين عبر اتباع النهج التدريجي في التفاوض واحتمالات الارتداد للصراعات والطابع المؤقت للتهدئة العسكرية وتزايد تأثيرات مفسدي التسوية والقوى المتدخلة في الصراعات.

تعزيز الاستقلالية الدفاعية

ومع استمرار الاضطرابات والصراعات الإقليمية، يتوقع أن تستمر الدول الرئيسية في المنطقة في حيازة منظومات عسكرية متقدمة، وفي مقدمتها مقاتلات الجيل الخامس "إف – 35"، و"سو – 57"، كما يتوقع أن تستمر جهود الدول العربية لتوطين الصناعات الدفاعية، خاصة بعدما تمكنت دولة الإمارات من إقامة صناعات دفاعية متقدمة، فضلاً عن احتلال شركة "إيدج" الإماراتية مرتبة متقدمة بين أكبر 25 شركة مصدرة للسلاح على مستوى العالم. 

واتجهت بعض الدول الأخرى، مثل مصر، إلى تنويع مصادر الأسلحة، والتخلص من الاعتماد على مزود الأسلحة الوحيد، وذلك عبر إبرام صفقات تسليحية مع عدد من الدول، أبرزها روسيا وفرنسا إلى جانب الولايات المتحدة. كما تتفاوض القاهرة على صفقة أسلحة جديدة مع إيطاليا.


اضطرابات إسرائيل وتحجيم إيران وتراجع تركيا

وفيما يتعلق بالقوى الإقليمية غير العربية، يشهد عام 2021 مزيداً من الانخراط الإسرائيلي في التفاعلات الإقليمية عقب التقدم في علاقاتها بالدول العربية ومساعي المشاركة في ترتيبات الأمن الإقليمي وصياغة تدابير مشتركة لمواجهة تهديدات إيران وتصاعد الاهتمام بالتعاون الاقتصادي وتحجيم ضغوط إدارة بايدن، وفي المقابل فإن المشهد الداخلي يحكمه الاضطراب نتيجة عدم استقرار الائتلافات الوزارية ومحاكمة بنيامين نتنياهو، وهو ما يرتبط بتوسع خريطة التهديدات للأمن الإسرائيلي. 

وتستمر تهديدات إيران للأمن الإقليمي عبر تهديدها الملاحة واحتجاز السفن التجارية تحت حجج واهية، بالإضافة إلى توظيف الميليشيات المسلحة في اليمن والعراق لتهديد بعض الدول الإقليمية. وسعت طهران عبر الكشف عن منظومات أسلحة جديدة، وإجراء مناورات عسكرية إلى التأكيد على قدرتها على ممارسة استراتيجية "منع الوصول والحرمان من الدخول". وعلى الرغم من ذلك، فقد قامت الولايات المتحدة وإسرائيل بتبني العديد من الأدوات لكبح طهران، بل وتنفيذ عمليات تخريبية ضدها. وتبقى فرص التوصل لاتفاق بين طهران وواشنطن للعودة للاتفاق النووي قائمة على الرغم من الخلافات غير الهينة بين الجانبين.

وعلى الجانب الآخر، يتوقع أن تتجه أنقرة لتسكين الخلافات مع جوارها الإقليمي، مع السعي لتثبيت وجودها العسكري في مناطق الصراعات من دون الإخلال بالتوازنات القائمة، فضلاً عن محاولة أنقرة تقليص خلافاتها مع حلفائها التقليديين في الغرب، وهي المحاولات التي تواجه تحديات كبيرة، ما لم تكن أنقرة مستعدة للتراجع عن بعض سياستها. 

تجدد الحراك الاحتجاجي وصعود "العامل الأسيوي"

وعلى المستوى الداخلي، يشهد عام 2021 تجدد محفزات الحراك السياسي والمجتمعي في بعض دول الشرق الأوسط في ظل وجود سياقات مواتية لتفجر موجات جديدة من الاحتجاجات في بعض الدول، مثل تونس ولبنان وإسرائيل والعراق، ويتصل ذلك بالانعكاسات الاقتصادية لجائحة كورونا وتبني إجراءات تقشفية وتآكل الثقة في النخب السياسية وتعثر تنظيم الاستحقاقات السياسية. كما تشهد تيارات الإسلام السياسي انقسامات داخلية واستقطاباً متصاعداً مما يؤدي في المحصلة النهائية لتراجع ملحوظ في دورها.

ويتوقع أيضاً أن تتوسع دول الشرق الأوسط في انخراطها بالدوائر الجغرافية المجاورة للإقليم مثل آسيا الوسطى والقوقاز والبحر الأسود والساحل الأفريقي والقرن الأفريقي عبر دعم ترتيبات الأمن والمشاركة في المناورات العسكرية والمساعدات التنموية والإغاثية. ويتصل ذلك بصعود "العامل الآسيوي" في تفاعلات الإقليم وانتقال التأثيرات العابرة للحدود، مثل ترابط دورات التعافي الاقتصادي والحضور المتزايد للقاحات الصينية وارتدادات التوترات الحدودية بين الهند والصين وانعكاسات الاستقطاب بين الولايات المتحدة والصين بالإضافة إلى تأثيرات توسع التكتلات الاقتصادية الآسيوية والتحسب لانتقال تهديدات التطرف والإرهاب. 

وتظل "المياه" والصراعات على الموارد والطاقة ضمن القضايا الرئيسية للتفاعلات الإقليمية في 2021 مع تنامي مساعي تنظيم التفاعلات البحرية وتزايد الاهتمام بالبحر الأحمر وتوسع الصراعات على الموارد المائية وأزمات السدود في التفاعلات الإقليمية.

اقتصاد ما بعد كورونا والحروب التجارية

ويتوقع أن يشهد عام 2021 تركيزاً متزايداً على التعافي الاقتصادي ومساعي لمواجهة تعقيداته وتحدياته للعودة للحالة الطبيعية قبيل تفشي جائحة كورونا، ومن المتوقع أن تشهد دول الشرق الأوسط نمواً ملحوظاً بالاستفادة من التعافي العالمي والطلب على المنتجات، خاصةً مصادر الطاقة وتسارع عمليات اللقاح وإقرار حزم التحفيز الاقتصادي، وفي المقابل تظل مشكلة الديون قابلة للتفاقم خلال 2021 خاصةً في الدول النامية في المنطقة بالإضافة لاحتمالات اضطراب قيمة العملات الوطنية بها، كما تشهد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة استمراراً لحالة التوترات في فترة رئاسة ترامب على الرغم من محاولات بايدن تعويض اتفاقيات التجارة الحرة التي انسحب منها الرئيس الأمريكي السابق.

أما التعاملات الاقتصادية عبر الانترنت فسوف تشهد استمراراً للطفرة الكبيرة التي تمر بها في المرحلة الراهنة مع صعود أنماط الاقتصاد الافتراضي، وتشير التوقعات في عام 2021 إلى تعافي أسعار النفط وتجاوزها لمرحلة عدم الاستقرار نتيجة جائحة كورونا، ويتوازى ذلك مع صعود متوقع لمشروعات الغاز الطبيعي في العالم وتوسع عالمي في الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.

تصاعد كمي ونوعي للهجمات السيبرانية

وفيما يتعلق بالهجمات السيبرانية، يتوقع أن تتزايد الهجمات السيبرانية في عام 2021، ارتباطاً بتصاعدها، كماً ونوعاً، خلال عام 2020، وهو ما يعود إلى الاعتماد المتزايد على الإنترنت بسبب إجراءات الإغلاق التي فرضتها أغلب الحكومات، وهو ما أعطى الفرصة لقراصنة المعلومات للاستفادة من ذلك، وتوجيه هجمات معقدة، مثل هجمات الفدية الخبيثة، واستخدام أجهزة إنترنت الأشياء في شن هجمات سيبرانية، وتزايد حدة هجمات الحوسبة السحابية. 

ومن جهة أخرى، برز صراع بين القوى العظمي، خاصة الصين والولايات المتحدة حول الجيل الخامس للاتصالات، نظراً لأن من يقوم بتصميم وتطوير هذه التقنيات يستطيع الحصول على صلاحيات الوصول إلى كافة التقنيات الذكية التي تعمل من خلالها، سواء بغرض التتبع والمراقبة، أو التجسس والاختراق، وأحياناً التخريب والتدمير. 

وفي خضم الاهتمام الثابت بتهديدات الأمن التقليدي، يحتل المناخ حيزاً كبيراً من التفاعلات الدولية في عام 2021، حيث تزايدت أولوية هذه القضية نظراً للاهتمام الذي توليه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لقضايا المناخ وغيرها من دول العالم، ولا يقتصر الأمر على تبني مبادرات للحفاظ على البيئة وتعزيز الانخراط في الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية باريس للمناخ وإنما تسييس قضية المناخ عبر الضغط على الصين لخفض الانبعاثات الكربونية.