أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

عقبات محلية:

مقارنة بين دوافع التدخل الأمريكي والفرنسي بالساحل الافريقي

18 أغسطس، 2020


عرض: وفاء الريحان - باحثة في العلوم السياسية

تصاعد الجدل في منطقة الساحل الإفريقي حول جدوى الوجود العسكري للقوات الأجنبية، خاصة الأمريكية والفرنسية على أراضيها، والذي اتخذ شكلًا مباشرًا مع بداية أزمة مالي عام 2012، وما آلت إليه الأوضاع بعد ذلك من عدم استقرار إقليمي، أثار غضب الشعوب والحكومات بالمنطقة، لترتفع الأصوات المُشككة في نوايا الدول الغربية المتدخلة، التي ترى أنها لا تعمل إلا من أجل حماية مصالحها بالمنطقة، وفرض أجنداتها الخاصة والمتعارضة فيما بينها في كثير من الأحيان.

وفي هذا الإطار، نعرض لدراستين منشورتين في مجلة "الشؤون الدولية" الصادرة عن المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس"، والتي يُقدم فيها الباحث "ستيفين تانكيل" (زميل أول في مركز الأمن الأمريكي الجديد) دراسة بعنوان "استراتيجية مكافحة الإرهاب الأمريكية في منطقة الساحل: من التدخل غير المباشر إلى التدخل المباشر". كما يعرض الباحث "إيفان جويشاوا" (زميل مدرسة بروكسل للدراسات الدولية) دراسة بعنوان "الحصاد المرير للتدخل الفرنسي في منطقة الساحل".

وتأتي هاتان الدراستان ضمن سلسلة من المقالات عما أُطْلِق عليه "الآثار التأسيسية" للتدخل الأجنبي، في إشارة إلى مجموعة التأثيرات العلائقية والزمانية والمكانية المترابطة والمترتبة عليه.

تحوّلات التدخل الأمريكي

يرى "ستيفين تانكيل" أن التدخل الأمريكي في منطقة الساحل الإفريقي مرَّ بمرحلتين أساسيتين، هما:

أولًا- التدخلات غير المباشرة: كانت فيما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وذلك من خلال بناء قدرات عديد من الدول مثل مالي وتشاد والنيجر. ويُعرِّف "تانكيل" ذلك النوع من التدخلات بأنه "كل ما يستلزم تقديم المساعدة الأمنية أو غيرها من أشكال الدعم، مثل الاستخبارات أو التزود بالوقود الجوي، لتسهيل استخدام القوة العسكرية من قِبَل طرف ثالث". وتُعتبر الجهود الأمريكية لتدريب القوات المالية وتجهيزها قبل اندلاع الحرب الأهلية في عام 2012، مثالًا على التدخل غير المباشر.

ويعتبر الباحث أن استراتيجية "بناء قدرات الشريك" أصبحت هدفًا حيويًّا بشكل متزايد بعد أحداث 11 سبتمبر، فقد أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 250 مليار دولار أمريكي لبناء قوات عسكرية وشرطية أجنبية منذ ذلك التاريخ. وأظهرت الأبحاث أن فاعلية تلك الاستراتيجية تزداد عندما تشترك الولايات المتحدة وحلفاؤها في الأهداف ذاتها.

وفي هذا السياق، ركزت إدارة "جورج دبليو بوش" بشكل أكبر على بناء قدرة القوات الشريكة لمساعدتهم في تحمل العبء الأكبر. وقد بنى الرئيس "باراك أوباما" على جهود سلفه، وجعل العمل من خلال الدول الشريكة حجر الزاوية في استراتيجيته لمكافحة الإرهاب.

ومع ذلك، لم يمنع نجاح تلك الاستراتيجية في عدد من الحالات وجود إخفاقات في حالات مماثلة، فحققت جهود بناء القدرات نجاحًا دائمًا في البلدان التي تمارس الحكم الرشيد ولديها مؤسسات قوية. ولكن عندما أصبح الفشل في بناء قدرة الشركاء على التصرف بمفردهم أكثر وضوحًا -كما في حالة مالي- تحولت الولايات المتحدة بشكل متزايد نحو تدخلات أكثر مباشرة.

ويؤكد "تانكيل" أن هذا التحول من التدخلات غير المباشرة إلى المباشرة لم يتم بشكل فوري، بل سبقه مزج بين آليات بناء القدرات وعمليات مكافحة الإرهاب، التي تتضمن غارات من قِبَل قوات العمليات الخاصة والضربات الجوية، وقد طمست الخط الفاصل بين الشكل المباشر وغير المباشر.

ثانيًا- التدخلات المباشرة: وهي النمط الذي أعقب انقلاب مالي عام 2012، حيث علَّقت الولايات المتحدة المساعدة الأمنية مع البلاد، وبدأت عملياتها المباشرة مع الحرب الأهلية وتوسع العمليات الإرهابية المرتبطة بها، وهو ما خلق ظروفًا مواتية لتطور التعاون الأمني بين واشنطن ودول الساحل على نحو غير مسبوق.

ويُعرِّف "تانكيل" التدخل المباشر بأنه "إرسال قوات أمريكية للقتال والاحتلال والدفاع عن أراضٍ في دول أخرى، أو استخدام القوة، مثل الضربات الجوية أو الصاروخية، في بلد آخر دون وجود قوات برية". ويؤكد أن الولايات المتحدة بدأت في التدخل بشكل مباشر عندما دعمت في عام 2013 عملية "سرفال" الفرنسية، عن طريق مشاركة المجموعة التشادية الخاصة لمكافحة الإرهاب التي درَّبتها الولايات المتحدة، وقوات من دول الاتحاد الإفريقي والإيكواس (المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا).

وفي هذا السياق، يرى الباحث أن النظرة الفرنسية للولايات المتحدة انطلقت من أهمية الدور الأمريكي لتقديم الدعم في شكل جسر جوي وإعادة التزود بالوقود الجوي، بينما تزايد القلق لدى صانعي القرار الأمريكيين بشأن تداعيات الانخراط في القتال الذي سيُقحم واشنطن بشكل أكبر في الصراع، خاصة أنها ترى أهداف مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل وقائية، ولا تعتبرها تُمثل تهديدًا بالدرجة الأولى، مقارنة بما يُمثله مواجهة الإرهاب في أفغانستان واليمن وباكستان، حيث تُطارد القوات الأمريكية القاعدة.

على أية حال، يرى "تانكيل" أن مستقبل التدخل الأمريكي –المباشر أو غير المباشر- في منطقة الساحل الإفريقي غير مؤكد، وذلك بالنظر إلى استراتيجية الدفاع الوطني للرئيس "ترامب" المُعلنة عام 2018، والتي تعطي أولوية للتنافس الاستراتيجي بين الدول وليس للإرهاب، باعتباره الشغل الشاغل للأمن القومي الأمريكي، ثم ما تَكشَّف عن وزارة الدفاع من خيارات لسحب بعض أو كل القوات الأمريكية في المنطقة، وإنهاء دعم التدخل الفرنسي، وإخلاء قاعدة الطائرات بدون طيار في أجاديز بالنيجر.

ورغم أن وجود القوات الأمريكية في ساحات القتال التي تعمل بها الجماعات الإرهابية يفرض ضغوطًا مستمرة على هذه التنظيمات، ويتيح جمع معلومات استخبارية، كما يوفر للولايات المتحدة الوسائل للقيام بعمليات سريعة ضد الأفراد والشبكات المتورطة في الهجمات؛ فإنه ومع غياب التهديدات المباشرة لها، قد تصبح التدخلات الأمريكية غير المباشرة في منطقة الساحل غير ناجحة، كما أن التدخلات المباشرة مكلفة للغاية.

دوافع التدخل الفرنسيّ

يرى "إيفان جويشاوا" أن تاريخ بدء أجهزة المخابرات الفرنسية بمراقبة ومكافحة التهديدات الموجهة للمواطنين الفرنسيين في منطقة الساحل الإفريقي يعود إلى أواخر التسعينيات من القرن الماضي، باعتباره بداية التدخل الفرنسي في المنطقة فيما بعد الحقبة الاستعمارية، وقد دارت التدخلات في الغالب خلال تلك الفترة، وفقًا لرؤية الأجهزة الاستخباراتية حول مواجهة التهديدات الأمنية. ورغم غموض مصطلح التهديدات فإن الباحث يذكر عنصرين متكررين فيما يتعلق بتحديد مدلولها:

العنصر الأول: هو المتعلق بالجماعات الإرهابية المسلحة، ويُترجم هذا في الكيانين الجهاديين الرئيسيين في منطقة الساحل الإفريقي، وهما: جماعة دعم الإسلام والمسلمين، وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، وما يمثّلانه من تهديد للمواطنين الفرنسيين في فرنسا أو للذين يعيشون في منطقة الساحل.

العنصر الثاني: هو ما يُسمى "القنبلة الديموجرافية الموقوتة" في الساحل، حيث تُعد تشاد ومالي والنيجر من أعلى خمس دول في العالم من حيث معدلات الخصوبة، وهو ما يخلق حالة من القلق المرتبط بتداعيات ذلك بوضوح على معدلات البطالة، وموجات الهجرة إلى أوروبا، التي تُمثل -وفقًا للحكومات الليبرالية الأوروبية- محفزات للصعود الانتخابي لليمين الشعبوي. 

ويؤكد الباحث أنه برغم وجود دوافع اقتصادية هامة وراء التدخل الفرنسي في الساحل الإفريقي، فإن المُحرك الرئيسي للأفعال الفرنسية في تلك المنطقة هو الدافع الأمني. وأشار أيضًا إلى ما يُمثّله هذا التدخل من استنزاف كبير للميزانية الوطنية الفرنسية مستشهدًا بـعملية "برخان"، وهي عملية مكافحة التمرد في منطقة الساحل التي تلت عملية "سرفال"، التي وصلت تكلفتها إلى 800 مليون يورو سنويًّا، فضلًا عن حجم الجهد الدبلوماسي المبذول لتخفيض تلك الكُلفة بدعم استراتيجية "تقاسم الأعباء".

وقد تميّزت رئاسة "إيمانويل ماكرون" بالعديد من المبادرات لمضاعفة الشراكات الأمنية في أوروبا وخارجها، بما في ذلك منطقة الخليج العربي والصين، مع التأكيد على حرص السلطات الفرنسية على الاحتفاظ بالقيادة السياسية فيها، فكان الهدف من عملية "تاكوبا" التي أُعلِن عنها في خريف عام 2019 هو تقاسم الأعباء؛ فهي تنطوي على وضع قوات خاصة مقدمة من الشركاء الأوروبيين تحت قيادة برخان، ونشر هذه القوات في وحدات جيوش الساحل كمرشدين.

النموذج المالي بين التدخل الأمريكي والفرنسي

مثَّلت مالي بعد انقلاب عام 2012، النموذج الأبرز للتدخلات من جانب القوى العالمية في منطقة الساحل لمكافحة الإرهاب ودعم الحضور الدولي. وفي هذا الإطار، تناولت الدراستان الحديث عن التدخل العسكري الأمريكي والفرنسي في البلاد، وما صاحب ذلك من تداعيات.

يتحدث "تانكيل" في دراسته عن إطلاق الولايات المتحدة العديد من المبادرات في المنطقة بعد عام 2001، منها: مبادرة عموم الساحل في مالي وموريتانيا والنيجر وتشاد عام 2002، ثم جهود بناء القدرات في عام 2004، ثم مبادرة الشراكة عبر الصحراء لمكافحة الإرهاب، كما توسعت الشراكة لتتجاوز التعاون الأمني، وتشمل برامج التنمية والدبلوماسية، وذلك لمعالجة عوامل الخطر الاجتماعية والاقتصادية التي وفَّرت المناخ المواتي لانتشار الإرهاب.

ويذهب "تانكيل" إلى أن تلك المبادرات فشلت في الواقع، وكانت حالة مالي الأبرز؛ حيث فشلت جهود بناء القدرات التي قامت بها الولايات المتحدة للجيش المالي، ويرجع ذلك إلى عدم توافر الرغبة للحكومة المالية في بناء قدراتها العسكرية لاستخدامها ضد الجماعات الإرهابية، كما كانت تريد واشنطن، وهو ما دفع الأخيرة إلى التدخل بشكل مباشر في البلاد منذ عام 2013، في ظل ظروف الحرب الأهلية وتعاظم التواجد الإرهابي المصاحب لها.

أما في دراسة "جويشاوا" عن تقييم الآثار التأسيسية للتدخل العسكري الفرنسي في مالي، فيعود إلى يناير 2013، أي بعد عام من التمرد الذي قاده المقاتلون الانفصاليون من الطوارق والجهاديين المرتبطين بتنظيم القاعدة في شمال البلاد، ثم الخلاف بعد ذلك بين طرفي التمرد، الذي انتهى بانتصار الجهاديين، الذين بدؤوا في التوسع للجنوب، وهنا أطلقت فرنسا أولى عملياتها في المنطقة وهي "سرفال" لإيقاف التوغل الجهادي.

وبشكل عام، يوضح "جويشاوا" أنه لا يمكن تفسير التحرك الفرنسي في مالي ومحيطها بعيدًا عن فكرة المسؤولين الفرنسيين للتهديدات الأمنية لبلادهم، وتصورهم لدور باريس كقوة عالمية، ولكن ما انتهت إليه الأوضاع منذ عام 2019 يكشف عن مشاعر مُعادية للفرنسيين أصبحت منتشرة في كل مكان، رافعة شعار السيادة الوطنية والعداء للتدخلات الخارجية.

المصادر: 

1- Stephen Tankel, “US counterterrorism in the Sahel: from indirect to direct intervention”, International Affairs, Volume 96, Issue 4, July 2020, pp. 875–893, 

2- Yvan Guichaoua, “The bitter harvest of French interventionism in the Sahel”, International Affairs, Volume 96, Issue 4, July 2020, pp. 895–911.