أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

مكاسب مشتركة:

خمسة محاور في تقييم نتائج زيارة "ترامب" إلى الرياض

22 مايو، 2017


شهدت المملكة العربية السعودية زيارة تاريخية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يومي 20 و21 من شهر مايو الجاري، حيث تضمنت الزيارة عدداً من الفعاليات، وهي عقد قمة ثنائية "سعودية – أمريكية"، وأخرى "خليجية – أمريكية"، وقمة ثالثة "عربية - إسلامية – أمريكية"، وصاحبت هذه القمم فعاليات أخرى، منها افتتاح المركز العالمي لمكافحة التطرف (اعتدال) ومقره الرياض، وتوقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة والمملكة.

وقد أسفرت زيارة ترامب عن عدد من النتائج التي تتعلق بملفات شديدة الأهمية للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بصفة خاصة، ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، وأبرزها تبني مواقف مشتركة لمواجهة تهديدات إيران، والاتفاق على تدابير إضافية لمحاربة الإرهاب، وغيرها من الملفات.

1- تأكيد مكانة المملكة:

تمكنت المملكة العربية السعودية، من خلال استضافة الرئيس الأمريكي ترامب والقمم الثلاث المصاحبة للزيارة، من تأكيد مكانتها كمركز ثقل رئيسي في منطقة الشرق الأوسط، ونقطة تجمع للحلفاء في الإقليم. فقد نجحت المملكة في حشد عدد كبير من القادة العرب والمسلمين من حوالي 55 دولة، للمشاركة في "القمة العربية - الإسلامية – الأمريكية".

وكان اختيار الرياض لتكون المحطة الأولى للرئيس ترامب في زياراته الخارجية الرسمية، أمراً حمل دلالات مهمة. فمنذ أكثر من 3 عقود، اعتاد الرؤساء الأمريكيون أن تكون الزيارة الأولى لهم لإحدى دول الجوار الأمريكي مثل كندا والمكسيك، ومن ثم فإن اختيار ترامب للسعودية هذه المرة لتكون أولى محطاته الخارجية هو اعتراف أمريكي بمكانة المملكة على المستوى الإقليمي، وقوة تأثيرها في أمن واستقرار المنطقة، ودورها في محاربة التطرف والإرهاب.
 
2- عودة الدور الأمريكي:

يمكن اعتبار زيارة ترامب إلى الرياض وما لحق بها، تغيراً مهماً في السياسة الخارجية الأمريكية في اتجاه إعادة تركيزها مجدداً على منطقة الشرق الأوسط، حيث تعكس فعاليات الزيارة ونتائجها وجود رغبة أمريكية حالية في إعادة تقوية علاقاتها وتحالفاتها في الإقليم بصورة تختلف عن الإدارة الأمريكية السابقة.

فبعد سنوات من تراجع الدور الأمريكي إلى حد ما في الشرق الأوسط خلال فترة الرئيس السابق باراك أوباما، تعود الولايات المتحدة بثقلها مجدداً إلى المنطقة، وهو الأمر الذي ترغب فيه كثير من دول الإقليم، بهدف إحداث التوازن في أمن المنطقة، ومواجهة المخاطر الناجمة عن المد الإيراني وانتشار التنظيمات الإرهابية.

3- موقف مُوحد ضد إيران:

من المكاسب التي حققتها السعودية ودول الخليج العربية من زيارة ترامب، الحصول على تعهد أمريكي بالوقوف بجانبها ضد تهديدات إيران. وظهر توافق كبير في هذا الشأن خلال الكلمتين اللتين ألقاهما خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والرئيس الأمريكي ترامب أمام "القمة العربية – الإسلامية – الأمريكية". إذ أكد الملك سلمان أن "النظام الإيراني يشكل رأس حربة للإرهاب منذ ثورة الخميني وحتى اليوم"، فيما اتهم ترامب إيران بأنها "تمول وتسلح وتدرب الإرهابيين والميليشيات، وتقوم بإشعال النزاعات الطائفية"، وأنها "المسؤولة عن زعزعة الاستقرار في لبنان والعراق واليمن".

4- خطوات جديدة لمحاربة الإرهاب:

تضع المملكة العربية السعودية محاربة الإرهاب على رأس أولوياتها، حيث سبق أن أعلنت عن تشكيل تحالف إسلامي عسكري بقيادتها يضم 34 دولة لمكافحة الإرهاب، علاوة على مشاركتها ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" في سوريا منذ عام 2014، كما أنها تقود التحالف العربي ضد ميليشيا "الحوثيين" لاستعادة الشرعية في اليمن.

وخلال قمة الرياض الأخيرة، اتفقت الولايات المتحدة والدول المشاركة على ضرورة تطوير استراتيجيات جديدة مشتركة لمكافحة الإرهاب. وظهر واضحاً أن كلمة الرئيس ترامب، أمام "القمة العربية - الإسلامية – الأمريكية"، بدت أكثر اعتدالاً عما سبق، حيث لم يستخدم الرئيس الأمريكي في خطابه عبارة "الإرهاب الإسلامي الأصولي" التي دأب على استخدامها خلال حملته الانتخابية.

كما تضمن "إعلان الرياض"، الصادر عن هذه القمة، نقاطاً أساسية تتعلق بالتأكيد على مواجهة الإرهاب والتطرف من خلال الشراكة الوثيقة بين قادة الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة، وتعزيز التعايش والتسامح البناء بين مختلف الدول والأديان والثقافات، والتصدي للأجندات المذهبية والطائفية والتدخل في شؤون الدول، ومحاربة الإرهاب بأشكاله كافة والتصدي لجذوره الفكرية وتجفيف مصادر تمويله، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لمنع ومكافحة الجرائم الإرهابية.

أيضاً، اتفق المشاركون على تأسيس ما يُسمى بـ "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي في مدينة الرياض"، الذي ستشارك فيه العديد من الدول للإسهام في تحقيق السلم والأمن في المنطقة والعالم. وسوف يتم استكمال التأسيس وإعلان انضمام الدول المشاركة خلال عام 2018.

وفي خطوة تعكس تأييد الولايات المتحدة للتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، رحبت واشنطن والدول المشاركة باستعداد عدد من الدول المنضمة لهذا التحالف، لتوفير قوة احتياط قوامها 34 ألف جندي لدعم العمليات العسكرية ضد الجماعات الإرهابية في العراق وسوريا، عند الحاجة.

5- مكاسب اقتصادية وعسكرية:

مثَّلت الاتفاقيات التي وقعتها المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة، خلال زيارة ترامب، والتنوع الذي اتسمت به، إنجازاً مهماً ومكاسب مشتركة للدولتين. فقد بلغت قيمة الصفقات التي أُبرمت في الرياض، نحو 460 مليار دولار، حيث شملت اتفاقيات تعاون اقتصادي وعسكري؛ من بينها صفقات أسلحة أمريكية بقيمة 110 مليارات دولار. 

ويعتبر توقيع هذه الاتفاقيات بمنزلة خطوات حقيقية ملموسة على طريق تنفيذ الأهداف الاستراتيجية لرؤية "المملكة 2030"، التي تركز على أهمية استقطاب الاستثمارات النوعية، وجذب كبريات الشركات العالمية الرائدة في مختلف القطاعات الحيوية، وتنويع مصادر الدخل الاقتصادية للمملكة وعدم الاعتماد على النفط فقط.

وبالتالي يُتوقع أن يكون لهذه الاتفاقيات آثار إيجابية على القطاعات الاقتصادية والعسكرية في المملكة، كالتالي:

أ- زيادة فرص العمل: من المتوقع أن تساهم الاتفاقيات الاقتصادية مع الولايات المتحدة في توفير فرص عمل كبيرة داخل المملكة، وتدريب مزيد من القوى العاملة السعودية من خلال المنشآت التي سيتم افتتاحها، حيث ستكون الشركات الأمريكية مُلتزمة بنسب التوطين المحددة.

ب- تنويع مجالات الاستثمار: إذ تم منح 23 شركة أمريكية تراخيص للاستثمار في قطاعات ذات قيمة مضافة للاقتصاد السعودي، منها شركات "جنرال إليكتريك" و"سيتي جروب" و"اتش بي" وغيرها. وتشمل القطاعات الاستثمارية المستهدفة: الصناعات التحويلية، والنقل، والمقاولات، والدواء، والخدمات اللوجستية، والخدمات الإلكترونية والمصرفية، ومجالات الاستشارات.

ج- دعم الصناعات العسكرية في المملكة: تسعى الرياض إلى توطين 50% من الإنفاق الحكومي العسكري وفقاً لرؤية 2030، وبالتالي تصنيع أسلحة بالشراكة مع شركات أمريكية بدلاً من شرائها. وفي هذا الصدد، وقعت السعودية اتفاقيات مع شركات أمريكية للصناعات العسكرية، ومنها اتفاق مع شركة "لوكهيد مارتن" لدعم برنامج تجميع 150 طائرة هليكوبتر من طراز "بلاكهوك إس-70" في المملكة، ومع شركة "رايثيون" لإنشاء فرع في السعودية سيركز على تنفيذ برامج لخلق قدرات محلية في الدفاع وصناعة الطيران في المملكة.

د- محاربة الإرهاب وتعزيز أمن الحدود: تضمنت الاتفاقيات الثنائية مع الجانب الأمريكي، تعزيز قدرات القوات السعودية من خلال التدريبات العسكرية المشتركة، وإمدادها بدبابات وأسلحة مدفعية ورادارات وعربات مصفحة وطائرات مروحية وسفن مقاتلة متعددة المهام، كما ستساعد منظومات دفاع صاروخية، مثل "باتريوت" و"ثاد"، المملكة على حمايتها من أي ضربات جوية.

ومن شأن هذه الاتفاقيات العسكرية، زيادة تمكين المملكة على تحصين حدودها، ودعم أمن السعودية ومنطقة الخليج العربية في مواجهة مخاطر الإرهاب، والتصدي للتهديدات ذات الصلة بنفوذ إيران وممارساتها غير المسؤولة.

حاصل القول، حققت زيارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى الرياض والقمم الثلاث التي شهدتها، مكاسب متعددة للأطراف المشاركة فيها، على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية. فمن ناحية، أبرم الجانب الأمريكي عقوداً استثمارية وصفقات أسلحة بمبالغ مالية ضخمة مع المملكة؛ تعد الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة، كما أكدت واشنطن على المسؤولية المشتركة لدول المنطقة معها في محاربة الإرهاب والتطرف، ودعم استقرار الإقليم. ومن ناحية أخرى، أعادت هذه الزيارة التوازن للعلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية، وتبني موقف مُوحد ضد المد الإيراني الذي يهدد استقرار وأمن المنطقة. كما وقعت السعودية اتفاقيات مع شركات أمريكية ستساهم في دعم رؤية "المملكة 2030"، وزيادة قدراتها العسكرية في تأمين حدودها ومواجهة مخاطر الإرهاب.